Page 44 - merit 40 apr 2022
P. 44
العـدد 40 42
أبريل ٢٠٢2
مختلفة عديدة من الفهم الذاتي التأملي ويكون مختل ًفا فالأعراف تتبدل ..البلاغة أسرار وجدل لا وضوح
عما ينجزه بالفعل إذا كانت القصيدة تمثل إنجا ًزا وعرف وانتظام»(.)49
ناج ًحا»(.)53
تقترح البلاغة المروج لها في المحاورات تعدي ًل في
في بلاغة التأويل -كما نفهم من محاورات مع النثر العلاقة بين الأدب كمفهوم والمنتج والمتلقي ،فتعطي
العربي -المتكلم والمتلقي ساعيان نحو فهم أفضل للمنتج والمتلقى صفة التطابق ،وللأدب صفة الكشف
للعالم من خلال اللغة و إيما ًنا بحيويتها وقدرتها على عن الوجود من جهة ،أو قدرة المنتج والمتلقي على
تعرية الأشياء ،والكشف الزائف من العلاقات ،وإقامة إعادة فهمه وكشفه ،وهذا درس هيدجر وجادامر على
السواء ،حين جعل هيدجر اللغة بيت الوجود ،وجعل
علاقات جديدة بين الأشياء. جادامر اللغة بيت الإنسان .ودرس أمين الخولي حين
وبهذا يقترب فهم ناصف للأدب وبلاغته من فهم
جادامر؛ فالأدب لدى جادامر –فيما أفهم -سياق يجعل «حال المتكلم المعبِر هي الحال التي يتأثر بها
إنتاجي لمعرفة جديدة تساهم في تغيير الواقع ،ما العمل الأدبي وعنها يصدر وبقدرها يصنع»(.)50
دامت اللغة في فاعلية مستمرة ،وقد انعكس هذا بشكل
واضح عند تلقي الاستعارة ،حيث تتضح الخاصية غير أن البلاغة هنا عند ناصف من خلال المحاورات لا
الأفقية للاستعارة بوصفها تملي ظاهرة استطرادية، تبحث عن حال المخاطب بقدر حرصها على إعادة فهم
فالكلمات لا تكون استعارية في ذاتها لكن بالاشتراك النص والكشف عما به من خبيء .عن طريق متابعة
التفاعل بين الكلمات ،حر ًصا على القرب من إشاراته
مع غيرها ،فهي تكمن في نسج هذه الكلمات في
النصوص والسياقات سواء كانت منطوقة أو مكتوبة، المعنوية ،لا الكشف عن أنساقه البيانية .أو إحالته
بحيث إن كل كلمة ترتبط بالكلمات الأخرى في السلسة إلى بنية استدلالية؛ لذا يعيب ناصف على البلاغيبن
القدامى إعطاء الوظيفة الاجتماعية للغة مركز الثقل
الاستطرادية؛ إذ تفهم -فيما أرى -الاستعارة عنده في مقاربتهم لفهم الأدب ،بمنحهم المتلقي الغاية التي
على ثلاث مراحل :في الأولى يتم حساب المعنى الحرفي يسعى إليها المنتج ،لأن ذلك يوحي بسوء فهم للغة
أحيا ًنا فيتم رفضه بوصفه غير مناسب للسياق العام
الداخلي للنص ،ثم في المرحلة الثانية يحل محل المعنى الأدب ،فليس الأدب من قبيل الاستدلال المنطقي
الحرفي معنى آخر مجازي يتم فيه فك الشفرة النصية، يسعى المنتج لإلقائه واض ًحا ميسو ًرا للمخاطب .يقول
ناصف« :الوظيفة الاجتماعية المرتبطة بالشعر العربي
ثم يتبع ذلك جولة من تحديد بعض النتائج المترتبة
على الفهم ،من ربط لبعض المعاني داخل النص. هي التي تفسر خطابية تصور القدماء للاستعارة
وخلط الصورة بمعنى الاستدلال»(.)51
وربما كانت نقطة الانطلاق الأولى في تلقي الاستعارة
النظر في كل كلمة على حده ،وإلى صيغتها النحوية نصوص النثر التي يحاورها ناصف تؤصل لبلاغة
أو الصرفية ،وربما تفكيكها الصوتي ،وفي كيفية لا تتطلب أي إثبات من أي شيء وراء لغتها الخاصة،
مساهمة هذه الصيغ في إحداث التناغم الكلي للمعنى
النصي .وبذلك يختلف تلقي الاستعارة عند جادامر فنصوص النثر تستحضر المظهر الخارجي للمجاز
-فيما أرى -عن غيره لا سيما النقد الجديد خاصة وينفتح على مجال من الغموض يوافق غموض
ريتشاردز وإن اتفقا على فاعلية اللغة ودينامكيتها، الحياة الإنسانية في مجملها ،ويرى في ذلك قيمة
إلا أنها عند ريتشاردز وأصحاب النقد الجديد عامة
معادل موضوعي لتجربة سيكولوجية ،مما يجعلنا للشعر تميزه ،فماهية الفن «لا تكمن في وجه قصدي
نحو شيء ما آخر .فهي تكمن ببساطة في أن ما
عند تلقي الاستعارة وف ًقا للنقد الجديد ننظر إلى بنية
الاستعارة على أنها نمط من أنماط المقدرة الشعرية يكون مقصو ًدا وما يقال يكون ماث ًل هناك في النص
لدى الكاتب أو منتج النص يحملا شعو ًرا ما علينا ذاته»( ،)52ومتج ًها أي ًضا بعي ًدا عن ذاته ،وبذلك تقترب
النفاذ إليه ،وبالتالي تبقى الاستعارة نم ًطا من أنماط لغة النثر من لغة الشعر ،كما أن بلاغة التأويل تسلب
الكاتب مركزيته لتمنح النص مركزية يستحقها ،يقول
الشكل ،وأي ًضا ثمة فارق واضح بين تلقيه للاستعارة جادامر «فإن الشاعر ..يجب أن يدرك أن ما يقصده
هو نفسه لا يتمتع بأية ميزة خاصة .فتصوره الذاتي
أو وعيه القصدي الخاص يكون موج ًها بإمكانات