Page 41 - merit 40 apr 2022
P. 41
39 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
سمتًا ديالكتيكيًّا ،فقد نشأت البلاغة في مرجعيتها إذا قلت إن ثمرة من ثمار الفاكهة جارية فأنت
الأولى مع مرحلة الفلسفة الإغريقية ،ويوقفنا شاعر يعنيه في الغالب أن يرتاح قلي ًل من معاناة
جادامر على صياغة أفلاطون لمهام الفيلسوف
الحياة والناس ..تتداخل الكلمات لتكون نس ًجا
التي لا يستطيع حملها سواه حيث المساهمة في موح ًدا مبه ًما أشبه بالحلم»(.)37
إيصال الحقيقة بصورة إقناعية ،ذات نسج إنساني
اجتماعي ،عمادها فاعلية اللغوي وشاعريته ،ومن أراد ناصف هنا التأكيد على شعرية رسائل
ثم لا يمكن حصرها فيما هو استطيقي دون وظائفه الغفران ،وسعي أبي العلاء لهتك الحجب والعلاقات
الحجاجية ،تسعى جاهدة نحو التطبيق ،الذي المستقرة بين الكلمات بإقامة علاقات جديدة
يضفي على البلاغة والتأويل بع ًدا تأمليًّا. بين الجواري ،وشجر الحور ،والأوز ،والفاكهة،
والموسيقى ،والشعر ..وغيرها ،جعل الجواري تنبت
في فهم ناصف -من خلال محاورته للنثر العربي- من ثمار الجنة وتتراقص على أبيات الشعر ،تردد
تقوم بلاغة النص على مبدأ جوهري ،هو اعتبار أبيات تتغنى فيها بالشعر القديم .ومن هنا يذهب
النص منج ًزا في ذاته ،تحيا فيه اللغة داخل النص ناصف مذهبًا لافتًا فيرى في رسالة الغفران دفا ًعا
حياة جديدة ،وغاية ما تصبو إليه هي القدرة عن لغة الشعر ،لغة الشعر في رسائل الغفران نمط
على فهم تلك الحياة بروح من الجدل والتجريب، من أنماط المكاشفة ،صناعة علائق ثانية ،يمنح
ومقاربة تجربتها وخوصيتها في حقيقتها فيها المثقف بصيرة جديدة ،تتذرع بقول الله تعالى
الفينومينولوجية ،بدعم الحساسية الرمزية دون « َف َك َش ْف َنا َع ْن َك ِغ َطا َء َك َف َب َص ُر َك ا ْل َي ْو َم َح ِدي ٌد» ،وتتقنع
الإحالة المرجعية ،فالبلاغة هي «الممارسة النشطة بروح من المرح ،لكنه مرح ذو أعماق وأغوار ،تعاد
للغة والحياة»(.)39 فيه فكرة السلام والأمن والخلود والنعيم ،ليس
تنظر البلاغة للنص بوصفه يحمل خبيئًا ،تحاول السلام خمولا ،ولا النعيم تعطلا ،السلام إنبات
اجتلاء أسراره دون إقصاء عنصر من عناصره، وترديد ،وموسيقى شجية ،السلام غنى ينبثق من
تؤمن بلاغة التأويل بالخيال المتواصل في بحثها قصص أبي العلاء في رسائل الغفران يقول ناصف:
عن فائض المعنى ،واكتساب نوع من المعرفة «أبو العلاء يعلم أن لا تجاوز في الجنان .يقول ابن
بتحقيق تجربة معادلة لإنتاجية النص .تجربة القارح إنما يعرف ذلك في الدنيا الفانية بين السفلة
الهجاج .أبو العلاء يعرف أن الجنة سلام .والسلام
معيشة ،ليس فقط ابستمولوجيًّا بل وجود ًّيا أي ًضا، قرين النمو الروحي ..لكن أبا العلاء لا يقرر ما
فليست اللغة مجرد أداة ،لأن اللغة لا توجد بمعزل
يقول تقري ًرا ،إنه يضعه موضع الدهشة»(.)38
عن استخدامها ،وليس هناك موضوعية أو وعي
بها أكثر من ذلك الذي يكون متضمنًا في تحديثها -4لنثر العربي :بلاغة التفاعل
والتجريب لا بلاغة المقارنة والوصول:
وتطبيقها على الأشياء والقدرة على التحدث(،)40
عن طريق اشتراك الكلمة وتفاعلها مع غيرها، في الفصل الرابع من المحاورات خاصة ،وعنوانه
وعن طريق نسج سياقات جديدة ،تحقق استعارية «تواضع وكبرياء» ،بل وفي المحاورات عامة ،يلحظ
مستمرة تنقل الكلمة من شيء إلى آخر .فما الكتابة
إلا رموز ومجازات ،يسعى الإنسان من خلالها القارئ البصير نق ًدا لاذ ًعا من مصطفى ناصف
إلى بناء حياة ناهضة تجلي عن الصعاب والهموم للبلاغة وتصورات البلاغيين ،محاو ًل التأصيل
لبلاغة تأويلية قوامها -فيما أرى -التأثر بمفاهيم
الباطنة والثغرات غير الظاهرة.
انطلا ًقا من هذا التصور السابق للبلاغة ،يقدم جادامرالبلاغية.
ناصف قراءة ثانية للنثر العربي ،تطرح التأصيل في كتابه الحقيقة والمنهج يقدم جادامر طر ًحا قوامه
لبلاغة ُيق ِّوم بها المفاهيم البلاغية السائدة رفع الحدود الفاصلة بين التأويل (الهرمنيوطيقا)
والموروثة ،لا سيما حين يجعل من كتاب الإشارات والبلاغة والشعرية ،بوصفهم أنشطة لغوية تتخذ
لأبي حيان التوحيدي نم ًطا من أنماط مناوءة