Page 46 - merit 40 apr 2022
P. 46

‫العـدد ‪40‬‬                 ‫‪44‬‬

                                                        ‫أبريل ‪٢٠٢2‬‬

‫التناد‪ ،‬معرف به‪ ،‬مضاف إليه‪ ،‬مفعول له موقوف‬                 ‫ويتنكر‪ ،‬ويتصور التعثر ثم يتغلب عليه‪ ،‬يتحسس‬
                                                                                            ‫الطريق»(‪.)58‬‬
                                      ‫عليه»(‪.)60‬‬
                                                           ‫الجناس والسجع شفرة حاملة لإشارات لا تنضب‬
‫يؤول النص في كليته إلى محاولة بديع الزمان‬                ‫واحتمالات لا تنقطع حمالة أوجه المكابدة والمجاهدة‪،‬‬

‫الإحاطة بأزمة الوجود العربي في زمانه‪ ،‬في قالب لا‬            ‫تصوير حركة جاهدة متعبة في أعماق النص‪ .‬فلا‬
                                                            ‫عجب أن يسمى ناصف النصوص باسم حروفها‬
‫يخلو من فكاهة‪ ،‬وأسطورة‪ ،‬فقد جعل بديع الزمان‬                  ‫المتكررة إشارة إلى أنها مفتاح الإشارات ومركز‬

‫اسم إن عزيز وأن صلة الموصول بقاء‪ ،‬وأن المفعول‬                  ‫الثقل في النص‪ ،‬ومنطلق تأويله‪ .‬يقول ناصف‬
                                                           ‫«السين في سياقها مثلها مثل الشفرة جيء بها من‬
‫له موقوف على بعض الناس‪ ،‬وفي ذلك محاولة جادة‬                ‫حيث لا نحتسب‪ ،‬وأريد وضعها تحت المجهر‪ ..‬هل‬
                                                         ‫تبخل إذن بالتأويل على نص السين؟»(‪ ،)59‬معل ًقا على‬
‫–فيما يرى‪ -‬من بديع الزمان للتحلل من الواقع‪،‬‬               ‫نص الحريري‪« :‬باسم القدوس أستفتح‪ ،‬وبإسعاده‬
‫بالعود إلى النحو‪ ،‬بحثًا عن وجود لماض عريق لا‬                ‫أستنجح‪ ،‬سجية سيدنا سيف السلطان‪ ..‬حرست‬

‫ينهض به حاضر يقول ناصف‪« :‬اسم كان واسم إن‬                     ‫نفسه فاستنارت شمسه‪ ،‬وبسق غرسه‪ ،‬واتسق‬
                                                                                                 ‫أنسه»‪.‬‬
‫أقرب إلى مثل أصبحت لا تحقق تحقي ًقا يدل عليها‪..‬‬
                                                              ‫لكن عمو ًما ما يؤول الجناس والسجع إلى تيمة‬
‫هذه مأساة العروبة خطرت لكائنات كثيرة أهملت‬                    ‫إنسانية وأزمة وجودية توحي بفحواها للتطلع‬
                                                        ‫والحنين إلى التوازن والاعتدال الدال على ثقافة قوامها‬
‫دلالتها وصيغت في قالب من الفكاهة‪ ..‬لكننا لا نمل‬         ‫الاشتباه‪ ،‬فتحاكي بتكرار الأصوات اللاتناهي‪ ،‬وتؤول‬
                                                           ‫بتقاليد تستخدم في التفكيك‪ .‬من أجل المساهمة في‬
‫من ذم هذه الكتابات وسجعها وجناسها»(‪.)61‬‬                      ‫اتساع الحياة دون الاعتداد بمدلول الكلمات كل‬
                                                          ‫على حدة بل بكلية النص واستنطاق جميع عناصره‬
‫الجناس والسجع وغيرهما من التقاليد البلاغية فيما‬          ‫الصوتية والإنشائية والبيانية‪ .‬حين تومئ أو تشير‪.‬‬
                                                        ‫على سبيل المثال يقرأ ناصف قول بديع الزمان‪ »:‬أطال‬
‫يرى ناصف محاولة للاقتراب من روح الشعر وما‬                 ‫الله بقاء الشيخ في عز مرفوع كاسم كان وأخواتها‬
                                                        ‫إلى فلك الأفلاك‪ ،‬منصوب كاسم إن وذواتها إلى سمك‬
‫به من تخييل‪ ،‬محاولة لتقريب البعيد في صورة‬                   ‫السماك‪ ،‬موصوف بصفة النماء‪ ،‬موصول بصلة‬
                                                             ‫البقاء‪ ،‬مقصور على قضية المراد‪ ،‬ممدود إلى يوم‬
‫متشابه متجانس‪ ،‬تتناثر الكلمات وتذوب وتحال إلى‬

‫موسيقى ليست بالهشة التي تتناول في استخفاف‪،‬‬

‫إنما تبني إشارات النص بها طبقة على طبقة‪ ،‬فالقاعدة‬

‫وف ًقا للتأويل تضمحل‪ ،‬وكل شيء مادي يحال إلى‬

‫شيء غير مادي والعكس‪ ،‬يظهر الممدوح في ثوب‬

‫قاعدة طموح‪ ،‬وتظهر القاعدة في سمت إنساني‪ .‬كل‬
‫ذلك في توافق صوتي‪ ،‬يجعل المتخيل دانيًا وماث ًل في‬
        ‫صورة قريبة مسموعة ومرئية في تماثلها‪.‬‬

‫ووف ًقا لهذا المخطط المقترح يمكننا أن نفرق بين‬

‫ناصف‬  ‫لها‬  ‫يروج‬  ‫وبلاغة التأويل التي‬  ‫البلاغة القديمة‬
                    ‫مع النثر العربي‪:‬‬  ‫وف ًقا لمحاوراته‬

      ‫المتلقي‬                         ‫التكلم‬            ‫وج ه المقارنة اللبلاغة اللغة‬

‫كاشف للوجود من خلال‬    ‫كاشف للوجود‬                      ‫بيت الإنسان والوجود‪،‬‬      ‫بلاغة التأويل‬
‫النص‪ ،‬فهمه للغة النص‬                                    ‫حيوية الحياة في تفاعلها‪.‬‬  ‫البلاغة القديمة‬
 ‫فهمه لوجوده ووجود‬    ‫ساع لاقناع المتلقي‬                ‫غير قابلة لاختزال لكنها‬
                      ‫بأفكاره وعواطفه‬
  ‫النص على السواء‪.‬‬                                           ‫قابلة للفهم‪.‬‬

 ‫مستقبل لاستدلالات‬                                        ‫أداة يستدل بها على‬
       ‫المتكلم‬                                           ‫عواطف التكلم‪ ،‬طلاء‬
                                                         ‫خارجي لعاطفة ما أو‬

                                                              ‫شعور ما‪.‬‬
   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51