Page 230 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 230
العـدد 30 228
يونيو ٢٠٢1
وبقيت لفترة طويلة -تقريبًا الظروف ،كان أول فقد في حياتي حسين هيكل وزير المعارف
سنتين -لا أستطيع الذهاب وفاة «عثمان» ابن خالي قبل أن آنذاك ،في مقدمة ديوانه قائ ًل:
يحصل على الشهادة الابتدائية.. «لو قدر لهذا الشاعر أن يعيش ما
إلى ذلك المكان ..وبدأت في كانت علاقتي به قوية وكان كنا سمعنا عن حافظ وشوقي»،
الوقت نفسه أعبر عن ذلك متفو ًقا وذكيًّا وجمي ًل ،وخالي كان لهاشم الرفاعي أي ًضا دور
الفقد فكتبت «بتكلم مع مين»، اجتماعي ووطني وكتب أغنيات
«بوح» ،استدعيت فيهما بعض هو أحد الذين تعلمت منهم مبك ًرا لكنها لم تخرج للنور ،وأعماله
الشخصيات التي فقدتها ،وكتبت أنواع الموال؛ وكان هو كذلك المعلم الكاملة جمعت بين الفصحى
أي ًضا قصيدة أخرى عن صديقي المباشر للمطرب الشعبي المعروف والعامية م ًعا ،ربما لذلك كله كان
محمد عزب ،وهو شاعر عامية محمد طه ،كنت دائ ًما مع «عثمان»، الأكثر تأثي ًرا في نفسي في ذلك
توفى مبك ًرا في حادث ،وكان شعره
مبش ًرا ج ًّدا ،استدعيت في قصيدتي وكان رحيله فار ًقا في حياتي. الوقت.
عنه أجواء الغورية والقلعة بعد ذلك اتخذ «الفقد» شك ًل لكن ذلك لا ينفي شعوري لاح ًقا
والسلطان حسن والرفاعي ،هذه مختل ًفا برحيل جمال عبد الناصر بأزمة عميقة تجاه اللغة الفصحى
الأجواء التي عشنا فيها لفترات وأم كلثوم وكثير من الشخصيات لأنها غير أمينة ولا تعبر بدقة عن
العامة المؤثرة ،أما الآن فالفقد لم المشاعر ،ونحن نحاول فقط أن
طويلة. يعد فحسب فقد أشخاص وإنما نصل للمفردة الوسيطة المتعارف
الفقد للأسف موجع وليس له فقد أحلام وأماكن ،واختلف عليها ،خاصة أن جز ًءا كبي ًرا من
نهاية ،لذا على الإنسان أن يخلق
صيغة للتعامل معه ،لأن فكرة مفهومه وإن ظل مؤث ًرا. اللغة العربية أصبح قاموسيًّا
تجاوزه مستحيلة؛ ولا مفر من غير مستعمل أو استهلك ففقد
تقبل بعض الآلام والبوح بها عبر ثمة قصائد تبوح بوجع معناه ،كنت أحاول دو ًما الفكاك
الفقد استدعيت فيها ملامح من الفصحى وصار بيني وبينها
الكتابة. حاجز ،رغم أني أصدرت ديوانين
من رحلوا من أصدقائك بالفصحى وفي طريقي لإصدار
الأرضية الشعرية التي عبر صور شعرية أقرب الديوان الثالث ،لكنها فصحى
تقف عليها تشبه كثي ًرا للبورتريه ..كيف كانت
تلك التي انطلق منها «والد أقرب للغة اليومية.
الشعراء» فؤاد حداد .كيف أجواء كتابتها؟
صنعت قامو ًسا خا ًّصا؟ «الفقد» ..كان كلمة
وهل وجدت عب ًئا إضاف ًّيا كانت محاولة لاستعادة التوازن السر التي كشفت مبك ًرا
في أن تجد مكانك في المشهد النفسي بعد فقد مجموعة من
عن موهبتك الشعرية
الشعري خاصة أنك الأصدقاء والشركاء الحقيقيين في واستفزت قلمك ليبدأ
عاصرت كبار الشعراء؛ حلم ومشروع الكتابة والسعي
جاهين ،حجاب ،الأبنودي، وراء القصيدة؛ بعضهم مقربون طريقه في التعبير
نجم ،زين العابدين فؤاد، ج ًّدا مني بدرجة ملحوظة؛ عندما والإبداع .كيف كان ذلك.
بدأت حالات الفقد المتكرر كنت وهل لا تزال تلك المفردة
فؤاد قاعود وغيرهم؟ أتردد على المكان الذي اعتدت تقف وراء كثير مما تكتب؟
فيه لقاء هؤلاء الأصدقاء ،وكنت
ربما من حسن حظي أني كتبت مع بداية الفقد تحركت مشاعري
بالعامية قبل أن أقرأ لشعراء أضبط نفسي أتلفت يمينًا وشما ًل بشكل مغاير عن التعبيرات
بحثًا عنهم وكأني أنتظرهم؛ كنت المتعارف عليها في مثل هذه
أتوقع أن أحدهم سيأتي من أي
مدخل للمكان.