Page 82 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 82

‫العـدد ‪29‬‬                            ‫‪80‬‬

                                                                ‫مايو ‪٢٠٢1‬‬

‫لوريس فرح‬

‫(سورية‪ /‬النمسا)‬

‫شال أبيض‪ ..‬وملائكة!‬

   ‫شرف العائلة عندما ضبطتني متلبسة أرقص في‬              ‫مثل جني مستبد يتلبسني‪ ،‬رغما عني ومن دون‬
                      ‫غرفتي‪ ..‬أرقص في غرفتي!!‬              ‫عناء كان يأخذني كل ليلة إلى حيث يريد‪ ،‬كل‬

    ‫وهل هناك عيب أكبر من ذلك؟ العيب هو الحرام‬           ‫محاولات التملص من بين يديه باءت بالفشل‪ ،‬لا‬
 ‫في عيونهم‪ ،‬والحرام هو الشرف‪ ،‬ولما لا‪ ،‬فهم أي ًضا‬     ‫أدري كيف استطاع أسري‪ ،‬لا أدري من منحه تلك‬
  ‫مأسورون مثلي تحت نير العادات والتقاليد‪ ،‬فماذا‬      ‫السلطة‪ ،‬سلطة سلبي إرادتي أمام حضوره‪ .‬لم يكن‬

     ‫يعني لو سرى الخبر خارج جدران غرفتي إلى‬             ‫للحظة عابرة ليبذل جه ًدا في سرقتي من نفسي‪،‬‬
                                         ‫العامة‪.‬‬        ‫فالحكاية ليست أكثر من إشارة أصبع منه حتى‬

                            ‫‪ -‬ياسمينة‪ ..‬ترقص!‬                               ‫ُتستوفى قصة اللحاق به‪..‬‬
   ‫هل يستطيع أبي بعدها الخروج من المنزل‪ ،‬كيف‬        ‫يدرك ‪-‬هو الآخر بفطرة حريقه الذي يدفقه على حين‬

                       ‫لأخي أن يتقبل لمز الرفاق‪:‬‬      ‫سكون بأوردتي‪ -‬كيف يستفزني‪ ،‬لمجرد أن يردد‬
                          ‫‪ -‬وصل أخو الراقصة!‬         ‫في أذني هم ًسا أو صد ًحا‪ ،‬يجعل من بركاني الخامل‬
                                                     ‫لحظة تسونامية جارفة ومجنونة‪ :‬تيك‪ ..‬تيك‪ ..‬تاك‪.‬‬
    ‫بالمطلق منذ تلك اللحظة لن تكون والدتي مصدر‬      ‫الحكاية لم تبدأ من هنا‪ ،‬بل بدأت حينما استفقت من‬
‫احترام أمام نسوة الحي‪ ،‬عدا الشرخ الذي سيحصل‬          ‫غيبوبة طال أمدها بعد تلك الصفعة التي تلقيتها من‬

                   ‫أو قد حصل بينها وبين والدي‪:‬‬         ‫أمي على حين ضياع تحت سطوة الساحر الجني‪.‬‬
                        ‫‪ -‬أص ًل‪ ..‬كل النساء عار‪.‬‬             ‫هل يعاقب المرء على إثم لم يرتكبه بإرادته؟‬

  ‫اجتمعت العائلة مساء ذلك اليوم الكئيب وأصدرت‬       ‫لا فضاء للإجابة هنا‪ ..‬من يكفر لي هذا الذنب الأثيم‪،‬‬
    ‫قراراتها‪ ،‬والتي جعلتني أخسر غرفتي الخاصة‪،‬‬       ‫وكيف له أن يمر دونما عقاب‪ ،‬ماذا لو كسروا رجلي‪،‬‬

‫بالمطلق لم أخسرها بل صارت أمي شريكة أساسية‬                        ‫على سبيل المثال‪ ،‬هل تنتهي الحكاية؟‬
  ‫بها‪ ،‬بعي ًدا عن الحلم الذي كان يتمناه أخي ويردده‬  ‫بالمطلق كان ارتداد السؤال مثل دوي بعيد يردد‪ ،‬لا‪..‬‬
                                                     ‫لا‪ ..‬ما من أحد يستطيع أن يهمد ثورة جنونك هذه‪،‬‬
                                  ‫في كل مناسبة‪:‬‬
‫‪ -‬ياسمينة كبرت‪ ..‬ولا أعتقد بأنه من المفيد أن تتابع‬                                   ‫تيك‪ ..‬تيك‪ ..‬تاك‪.‬‬
                                                    ‫ثمة ارتعاد يعبر سرير وجعي‪ ،‬يستفز سكوني‪ ،‬الكل‬
   ‫دراستها‪ ..‬البنات اللائي في سنها تزوجن وصار‬
  ‫لديهن أولاد‪ ..‬بالنهاية‪ ..‬البنت مكانها بيت زوجها‪.‬‬    ‫يدرك على الرغم من أنهم كانوا متأكدين تما ًما من‬
‫فصول الحكاية تتداعى تبا ًعا كما بناء سردها ينهار‬      ‫سيطرتهم عليَّ‪ ،‬لكن شكهم كان يقينًا بأنني أرقص‬
 ‫من سلطته‪ ،‬لهذا كان الأخ مح ًّقا بكل ما قال‪ ،‬ولهذا‬
                                                         ‫حتى وأنا في المنام‪ ،‬أو مقيدة بالقوة إلى سرير‪..‬‬
     ‫لم يعارض أحد فكرة تزويج ياسمينة لصديقه‬           ‫صفعة العار التي لطخت بها شرف العائلة لم تزل‬
‫عامل المقهى‪ ،‬وهذا هو باب الخلاص الوحيد لتجاوز‬          ‫مثل وشم لا يمكن محوه ومحفور على خدي بعد‬
                                                       ‫تلك الصفعة التي تلقيتها من كف أمي‪ ،‬وذلك قبل‬
   ‫ما يعتريها من جنون قد يودي بلحظة ما بسمعة‬         ‫أن تعقد العائلة جلسة طارئة لاستدراك ما بقي من‬
                                        ‫العائلة‪..‬‬

   ‫ماذا يعني أن يتلبس جني غير مرئي ياسمينة في‬
   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87