Page 83 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 83

‫‪81‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

                                   ‫طاولة الحظ‪..‬‬                 ‫مغبة السكون ويراقصها‪ ،‬تفرد له شعرها‬
‫دارت محلقة بكل ما أوتيت من هوج‪ ..‬دارت‪ ..‬أكثر‪..‬‬                       ‫الغجري المجنون كي يسافر بها نحو‬
                                                                      ‫اللاوعي‪ ،‬ينثال خصرها مثل عجينة‬
              ‫وأكثر‪ ..‬ورقصت ليلتها أكثر وأكثر‪..‬‬                        ‫تتشكل حسبما تريد سطوة اللحن‪:‬‬
‫رقصت عن ملايين الفتيات اللواتي قتلن قبل أن يبدأ‬                                         ‫تيك‪ ..‬تيك‪ ..‬تاك‪.‬‬

                                         ‫الحلم‪..‬‬                  ‫س ًّرا كان يدهمها‪ ،‬تعرف مواطن أصابعه‬
  ‫رقصت عن جميع إناث الأرض اللواتي دفعن ثمن‬                       ‫نقاط ضعفها‪ ،‬وحدها أصابعه تجعل منها‬
                                                             ‫إلهة غائبة‪ ،‬تعود إلى كينونتها من جديد‪ ،‬ليس‬
                ‫أنوثتهن غاليًا في مجتمع الذكورة‪..‬‬               ‫مثل العنقاء الذي يقوم من رماد‪ ،‬بل كانت‬
      ‫قبل انبلاج ضوء الفجر تسلل من حيث أتى‪..‬‬
                                                                      ‫تقوم من كينونة غياب الهيولى الذي‬
                          ‫وتركها تدور‪ ..‬وتدور‪..‬‬                     ‫يدور في مدارك عاصفة ليتشكل تبا ًعا‬
 ‫ترك لها تذكا ًرا أبد ًّيا منه‪ ،‬مسد ًل مثل نهر من حمم‬             ‫على الأرض‪ ،‬قدمين من خدر‪ ،‬ساقين من‬
  ‫عند طرف النافذة‪ ،‬غادر من دون أن يلتفت لغيابها‬                    ‫ارتباك‪ ،‬وخصر من عجينة فنان وباقي‬

   ‫في لجة الدوران‪ ..‬لم تزل إلى الآن‪ ..‬ترقص بكامل‬                                    ‫التشكل نثار حريق‪..‬‬
                                      ‫غيبوبتها‪..‬‬                      ‫هكذا جرت طقوس العائلة‪ ،‬كان على‬
                                                                ‫ياسمينة أن تنصاع‪ ،‬تمد كفها لتسكنها بيد‬
   ‫الجمع الذي مشى وراء جنازتها في اليوم لم يكن‬          ‫عامل المقهى ليطوقها بخاتم الزواج‪ ،‬في تلك اللحظة‬
 ‫يعرف للحظة حكاية الشال الأبيض الذي تكفنت به‬               ‫بالذات تنفس الجميع الصعداء‪ ،‬كيف لا والخاتم‬
‫ياسمينة‪ ،‬كان المسير الأخير نحو بوابة المقبرة رتيبًا‪،‬‬       ‫دائرته مكتملة‪ ،‬فلتدور ياسمينة كما تشاء‪ ،‬لكنها‬
 ‫فثمة جسد بض يتململ داخل كهف الخشب‪ ،‬يبحث‬                    ‫مهما كبرت أو صغرت‪ ،‬مهما قربت أو ابتعدت‪،‬‬
                                                             ‫فالخاتم اللعين هذا هو مداها الأول والأخير‪..‬‬
                 ‫عن باب للرقص في مدن الملائكة‪..‬‬         ‫كان الليل الأخير في منزل أبيها فاتحة لمراجعة دفتر‬
                                                       ‫خيبتها‪ ،‬أسئلة وأسئلة لا تنتهي ولا حدود لها‪ ،‬بقيت‬
                                                       ‫دون أجوبة على حارس الظلام الذي تساكنه في هذه‬

                                                                                               ‫اللحظة‪..‬‬
                                                                   ‫لم تكن لتدرك بأن اختناق روحها بتلك‬
                                                             ‫الاستفسارات سيجرها نحو فتح نافذة الغرفة‬
                                                            ‫ليدخل هواء جديد‪ ،‬الهواء بدعة لباب موارب في‬
                                                       ‫الظلام الدامس للغرفة‪ ،‬من خلاله تسلل مجد ًدا جني‬

                                                                                              ‫حكايتها‪..‬‬
                                                          ‫مد لها يده‪ ..‬طو ًعا سلمته يدها‪ ..‬شدها إليه‪ ..‬مثل‬
                                                         ‫عود خيزران مالت نحوه‪ ،‬نقلت خطواتها من دون‬

                                                                       ‫ارتباك في العتمة لتلحق بخطواته‪..‬‬
                                                           ‫انتفضت كلها حين خاصرها وهو يلفها بالشال‬
                                                       ‫الأبيض‪ ،‬شعرت بنهر من جمر يجتاح مسام جسدها‬

                                                             ‫البض‪ ،‬نهر أذاب من بين أصابعها طوق خاتم‬
                                                                                             ‫الخطوبة‪..‬‬

                                                       ‫شد الجني الشال عن خصرها في حالة لا وعي منها‬
                                                         ‫وبحالة إدراك منه‪ ،‬فدارت مثل حجر الدومينو على‬
   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87   88