Page 84 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 84

‫العـدد ‪29‬‬                            ‫‪82‬‬

                                                                ‫مايو ‪٢٠٢1‬‬

‫محمد عبد الرازق‬

‫النوم في متاهة‬

    ‫الحي غريب عليَّ‪ ،‬لم أدخله في حياتي أب ًدا‪ .‬اقترب‬                               ‫‪ -‬بعد العصر‪:‬‬
    ‫الناس من مكان وقوفي‪ ،‬وفي وسطهم المرأة التي‬
‫تصرخ‪ .‬هي حبيبتي‪ .‬كانت تلطم خديها وتنوح كلبؤة‬               ‫نمت وأنا حزين‪ .‬سمعت شيئًا يقول إنهم قتلوه‪ .‬من‬
‫جريحة‪ .‬اقتربت منها‪ .‬مددت لها يدي لكنها أنكرتني‪.‬‬              ‫الذي قتلوه! لا أعرف‪ .‬فتحت عيني‪ .‬رأيت الظلام‪،‬‬
  ‫لم تعرفني أب ًدا‪ .‬قالت كلا ًما كثي ًرا‪ :‬إنها باعت أهلها‬
‫لأجله‪ .‬وإنها أحبته كأن الحب لم يخلق من قبله‪ .‬وإنه‬          ‫ولا شيء غيره‪ .‬كنت أشعر بوخزة في قلبي‪ .‬بالطبع‬
    ‫غدر بها في النهاية‪ .‬كلما زاد صراخها‪ ،‬أحسست‬             ‫أعرف سبب الوخزة‪ ،‬لكنني أنكر السبب‪ .‬رأيت نو ًرا‬
  ‫بقلبي ينخلع من مكانه‪ ،‬وابتعدت عن دائرة الناس‪.‬‬
‫لم أؤمن أن التي أراها هي حبيبتي‪ .‬لقد غيرها الزمن‬            ‫شحي ًحا يتراقص أمامي‪ ،‬برغم إدراكي أن الشمس‬
‫حتى لم يترك فيها أي شيء من حبي القديم‪ .‬مشيت‬                ‫لم تغب بعد‪ .‬مشيت نحو النور‪ .‬بدأت الدنيا تضيء‬
‫في الطريق وأنا أفكر كيف غدر بها حبيبها‪ ،‬الذي كان‬
    ‫صديقي‪ .‬رأيت خيا ًل يجري على مد عيني‪ ،‬رحت‬                 ‫من حولي نو ًرا أصف َر باهتًا‪ .‬رأيته يجري‪ .‬صديق‬
                                                             ‫عمري الذي خطف حبيبتي‪ .‬خطفها من بين يدي‪.‬‬
             ‫أجري وراءه‪ ،‬تجاه بقعة النور الباهت‪.‬‬             ‫وهي استسلمت له بكل صفاقة‪ .‬لا أريد أن أظلمه‪.‬‬
                                                            ‫هي كانت حبيبتي من طرف واحد‪ ،‬لأنها لم تحبني‬
               ‫‪ -‬بين المغرب والعشاء‪:‬‬
                                                               ‫أب ًدا‪ .‬قد تكون لم تعرف بوجودي أص ًل‪ .‬جريت‬
    ‫كنت مهدو ًدا‪ .‬أول ما رأيت السرير اندفست فيه‪.‬‬             ‫خلفه لألحق به‪ .‬كان أسرع مني‪ ،‬برغم أنه يحمل‬
 ‫حذرتني أمي من الصداع‪ ،‬لكنني لم أعن بتحذيرها‪.‬‬              ‫شيئًا بين يديه‪ .‬كان يحمل صندو ًقا أو علبة كبيرة‪،‬‬
  ‫وقفت أمام بيت قديم‪ .‬له بقايا لون أخضر‪ .‬سألني‬              ‫لم أستطع التمييز بدقة‪ .‬تعبت من الجري‪ .‬توقفت‪.‬‬

      ‫شخص لا ملامح له ماذا أريد‪ .‬قلت لا أعرف‪.‬‬                  ‫التفت هو خلفه ثم توقف‪ .‬وضع ما في يده على‬
  ‫صمتت لفترة‪ ،‬ثم سألته عن شخص كان صديقي‬                        ‫الأرض‪ .‬حك أذنه بشدة‪ ،‬ثم رفع ما وضعه على‬
                                                              ‫الأرض‪ ،‬واختفي في بؤرة النور الباهت‪ .‬استندت‬
                                                              ‫على حائط طيني لونه أخضر‪ .‬كاد قلبي يقفز من‬
                                                            ‫التعب‪ .‬رأيت لمة من الناس على مقربة مني‪ .‬سمعت‬
                                                               ‫ضجة يعقبها صويت امرأة‪ .‬ميزت الصوت على‬
                                                            ‫الفور‪ .‬شعرت بغصة وتأملت المكان من حولي‪ .‬هذا‬
   79   80   81   82   83   84   85   86   87   88   89