Page 89 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 89

‫نون النسوة ‪8 7‬‬                                             ‫القراءة المتأنية ستجعلنا نكتشف ما تلعب عليه‬
                                                      ‫الكاتبة ببراعة‪ ،‬فهي تقول لنا‪ :‬ليس الأهم في السرد‬
      ‫بعي ًدا عن سؤال الأسلوب‪ ،‬وقريبًا من التأويل‬     ‫عمو ًما ما ننطلق منه من وضعيات سردية ابتدائية‪.‬‬
   ‫الإيديولوجي أو الفلسفي للنصوص‪ :‬ماذا يحدث‬
‫حينما نتناول بين أيدينا كتا ًبا هو الأول لكاتبة شابة‬       ‫الأهم دائ ًما هو ما نخرج به في جرابنا القرائي‪.‬‬
‫تظهر لنا كل براعة الكتابة التي تجعلنا ننتظرها عند‬       ‫والحاصل هو أننا مع هويدا أبو سمك نشعر بأننا‬

                                       ‫المنعرج؟‬            ‫نسير على دروب معبدة بخطى تعتريها عذرية‬
     ‫ننتظر عمو ًما الإضافة الخاصة لنظرتنا البلهاء‬       ‫كبيرة‪ .‬وهذا هو أبعد ما يمكن لكاتب أن يحلم بأن‬
    ‫صوب العالم؛ نظرتنا التي تغطيها البلادة حتى‬        ‫يجر إليه قارئه الذي يتورط معه في الورطة الجميلة‬
 ‫تصبح نظرة لا ترى إلا ما هي مبرمجة على رؤيته‪.‬‬
 ‫لهذا يغرينا أن ننظر من زاوية نظر المرأة هويدا أو‬                                             ‫للقراءة‪.‬‬
                                                             ‫فقرة بعد فقرة نجد كل ما نعرفه حول حياة‬
                                         ‫سمك‪.‬‬                 ‫الرضيع أو الطفل الذي يكبر‪ ،‬وكل ما نحن‬
 ‫السؤال المتكرر والمتجدد هو هذا‪ :‬كيف يكون العالم‬       ‫متعودون عليه من عادات صغيرة ووضعيات غير‬
                                                        ‫منتظرة يظهر على مرآة معكوسة‪ .‬ليداهمنا سؤال‬
                                   ‫بعيون المرأة؟‬      ‫وجودي عميق على غفلة من هواجس الرضيع الذي‬
                    ‫أين تكمن هوية المرأة يا ترى؟‬      ‫يتأمل العالم بدهشة جزئية تثير دهشتنا الكلية‪ :‬أين‬
    ‫وهل ما يجعل المرأة امرأة هو جوانبها الطبيعية‬
                ‫(البيولوجية) أم جوانبها الثقافية؟‬                          ‫نحن بالضبط من هذه المرأة؟‬
     ‫هل هويدا الكاتبة مجرد كائن بيولوجي يتكاثر‬            ‫لا تهم الإجابة‪ .‬القراءة هي نوع من البحث غير‬
    ‫ويحمل كل مواصفات المواطنة الصالحة أم أنها‬         ‫المجدي عن الإجابات‪ .‬وما فائدة إجابة سؤال يطرح‬
                                                          ‫على طفل لم يتعلم الكلام بعد‪ ،‬ولكنه طفل يحمل‬
                           ‫تكتب لتقول غير ذلك؟‬        ‫وجدا ًنا كونيًّا يسمح له بطرح أسئلة على عالم الكبار‬
  ‫بشكل آخر‪ :‬هل ولدت هويدا‪ /‬المرأة امرأة أم أنها‬
                                                              ‫تعيد ترتيب كل شيء في هذا العام الغريب‪:‬‬
    ‫تحولت كذلك على مر الزمن (عط ًفا على ما قالته‬      ‫«منذ وقت قليل ذهبت في جولتي الأولى في الشارع‪،‬‬
      ‫سيمون دي بوفوار في ربيع ‪ 1949‬في كتابها‬
                              ‫«الجنس الثاني»)؟‬               ‫ولا أنكر أنني كنت سعي ًدا بين أحضان أمي‪،‬‬
                                                          ‫ولكنني لم أحب المحيط حولنا‪ ،‬هل تركت نعيمي‬
 ‫أسئلة خرجت في أوروبا من ميدان الجدل الفلسفي‬          ‫السابق لشم هذه الروائح بين الشوارع؟ هل تخليت‬
 ‫لتدخل مؤخ ًرا إلى ميدان التربية والتكوين‪ ..‬ولكننا‬    ‫عن مكاني النظيف للنظر إلى تلك الأكوام من القمامة‬
 ‫نظل دو ًما نثق في النصوص الأدبية لأن لها حقائق‬          ‫التي جاهدت والدتي لإبعادي عنها دون فائدة؟»‪.‬‬
  ‫متعالية لا تتأثر كثي ًرا بالجدل السياسي‪ ،‬لذا فهي‬
                                                                                              ‫(ص‪)7‬‬
         ‫أقرب إلى الحقيقة رغم إغراقها في الخيال‪.‬‬                        ‫وفي زمن لاحق يتكلم الطفل ذو‬
  ‫يصر النسويون (ولربما علينا أن‬                                       ‫الوعي الصبياني الفائق‪« :‬لا أعرف‬
 ‫نقول‪ :‬تصر النسويات!) على كون‬                                             ‫لماذا يريدونني أن أتكلم؟! فكل‬

    ‫هوية المرأة أُ ِّولت اجتماعيًّا‪ ،‬وأن‬                                          ‫القادمين إلينا يقفون‬
   ‫المرأة ذات هوية شاحبة مدفوعة‬                                                ‫أمامي ويبدأون في تكرار‬
‫للصمت لأن جوهرها لا يتضح من‬
‫خلال صوتها الداخلي بل من خلال‬                                                     ‫الكلمات منتظرين أن‬
  ‫دورها الاجتماعي الخارجي كأم‪،‬‬                                                   ‫أرددها حتى أن جدي‬
 ‫وزوجة‪ ،‬ولا صوت لها ولا رغبات‬                                                  ‫لأبي يسألني عن اسمي‪،‬‬
 ‫طب ًعا إلا إذا كان صو ًتا أو رغبة في‬                                          ‫ولماذا يسأل وهو يعرف‬

         ‫أن تكون «أما» و»زوجة»‪.‬‬                                                               ‫اسمي؟!‬
        ‫ويعترف دارسو الجنوسة‬                                                  ‫هنالك سؤال هام يراودنا‬
    ‫المدافعون عن ضرورة التوصل‬
                                                                ‫هويدا أبو سمك‬
   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93   94