Page 91 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 91

‫نون النسوة ‪8 9‬‬

‫ألفة يوسف‬       ‫سيمون دي بوفوار‬                    ‫في قصة مشبعة برومانسية فائقة تستدرج القارئ‬
                                                        ‫صوب تصعيد عاطفي يمتد لعدة صفحات في‬
   ‫لعدة كلمات أو بضع جمل تظهر لك أبعاد الزمن‬
   ‫كلها كامنة كأنك على نقطة عالية من جبل الخلد‪.‬‬    ‫وصف هيام امرأة برجل تنتهي إلى اكتشاف نذالته‬
                                                    ‫في لحظة تراجيدية في صمتها لسقوط مد ٍّو‪( .‬قصة‬
      ‫تجد نفسك في فضاء فقرة واحدة من عمليات‬
 ‫البسط والطرح والطي والانكماش في البعد الزمني‬                                       ‫صفعة القلب)‪.‬‬
   ‫متشب ًعا حد الطرح والنضح بتلك المعرفة النّظرية‬    ‫وهي الروح نفسها التي تتسرب عبر سرد هادئ‬
‫التي يراكمها الفلاسفة حول الزمن ومظاهره وطرق‬       ‫يدغدغ الوجدان الإنساني بكثير من الذكاء في قصة‬
                                                      ‫«ثمرة السعادة» التي تصف الانتقال من الفراغ‬
       ‫حسابه‪ ،‬حسب طبيعة التجربة البشرية معه‪.‬‬          ‫الوجودي العميق لامرأة لم تنجب أو تأخرت في‬
     ‫ليس عبثًا أن القرن العشرين قد فضل دراسة‬       ‫الأمر إلى وصف الحبور والانتشاء اللطيف الخفيف‬
    ‫الزمن في الميدان السردي على دراسة أي عنصر‬      ‫والإحساس بالاكتمال والامتلاء من العالم في لحظة‬
     ‫آخر‪ .‬إنه اختيار يدل على دور البعد الزمني في‬   ‫احتضان طفلتها الأولى‪« :‬وتبينت أنني أسعى دائ ًما‬
‫تجديد الهويات والأبعاد الكامنة للتجربة الوجودية‪.‬‬   ‫لسد هذا الفراغ الذي يملؤني ويحرمني من النوم‪..‬‬
 ‫في مقطع آخر من القصة نفسها؛ وهي القصة التي‬           ‫والآن عندما احتضنتها للمرة الأولى عرفت أنني‬
‫منحت اسمها للمجموعة «نصف مرآة» تقول الكاتبة‬           ‫ملكت الحياة‪ .‬وأن صغارنا يظنون أنهم يحتمون‬
     ‫في مقاطع تتلاعب بالحدود الخفية بين الفردي‬       ‫بأحضاننا بينما نحن نختبئ داخل أذرعهم ونجد‬
‫العرضي من التجارب الحياتية وبين الجماعي الذي‬
    ‫يقاوم مفعول الزمن فيتحول إلى حقائق لا تعبأ‬                             ‫مبتغانا»‪( .‬ص‪)40 /39‬‬
                                                       ‫أحد التحديات الفنية الكبرى لكاتب القصة هي‬
                  ‫بامتحانات الزمن‪ ،‬تقول الكاتبة‪:‬‬    ‫طريقته في تسيير شأن الزمن‪ .‬إذ يرتكز الزم ُن في‬
‫«كذبت المرأة حين وعدت‪ ،‬وكنت أنا الأصم الذي لم‬        ‫ال ِق ّصة القصيرة على مكونات تسير مواد التَّخييل‬
                                                     ‫وعناصر الحكايات التي تتم روايتها علينا‪ .‬الزمن‬
   ‫يسمع صوت العقل الواعي‪ ،‬بينما سلب مني عقد‬        ‫يبدو دائ ًما غلا ًفا للوقائع فيما هو نظام خفي يغلف‬
 ‫الزواج حبيبتي ليترك لي امرأة لا أعرفها‪ ،‬تتقاذفها‬    ‫الحدث ويرتب الأسباب أكثر من ترتيبه للأحداث‬
   ‫رغباتها وأمور البيت التي لم أعد أطيق الاستماع‬     ‫والوقائع‪ .‬مما يجعل الزمن عنص ًرا منطقيًّا يدخل‬
                                                         ‫فيما يسمى بمنطق الحكي أكثر مما يدخل في‬
                                                        ‫الغلاف الفيزيقي للحكاية كما تعودنا أن ننظر‬
                                                       ‫إليه‪ .‬أما البعد الجمالي للتوظيف الزمني فيكمن‬
                                                     ‫في طرق التقطيع والالتقاط الخاصة بالكاتب‪ .‬لهذا‬
                                                     ‫نشعر دو ًما أن ال َّزمن في القصة أجمل وأذكى من‬
                                                     ‫ذلك الجسد المترهل الذي هو الزمن كما يتجلى في‬

                                                                                          ‫الوجود‪.‬‬
                                                   ‫فقرة واحدة على يد قاصة مقتدرة كافية كي ترسم‬

                                                                         ‫أمامك ملامح حياة برمتها‪:‬‬
                                                     ‫«تجلب إليك الذكريات التعاسة عندما تنظر حولك‬
                                                   ‫لتجد أن واقعك أبعد ما يكون عنها‪ ،‬وأن عالمك يدور‬
                                                    ‫بعي ًدا عن أحلامك بينما تتمزق أمنياتك في طاحونة‬
                                                      ‫الحياة التي تضيق عليك لتلعن بسهولة تجربتك‬

                                                                                ‫الفقيرة»‪( .‬ص‪)55‬‬
                                                       ‫بشكل خفيف كفيف لطيف‪ ،‬وفي الفضاء الدلالي‬
   86   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96