Page 92 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 92

‫العـدد ‪29‬‬  ‫‪90‬‬

                                                         ‫مايو ‪٢٠٢1‬‬

‫أزيد في دلالي لأطلب عنا ًقا آخر‪ ،‬ولكن الخصام كان‬          ‫إليها طوال الوقت‪ ..‬صديقي الخبير أخبرني ساب ًقا‬
   ‫مصيري‪ ..‬من السهل أن يقف المحبون في وجوه‬                  ‫أن الزواج يقتل الحب‪ ،‬وأن السكون بين المحبين‬
      ‫بعضهما‪ ،‬وأن يقذف كل منهما في وجه الآخر‬                ‫والارتباط يزهق حلاوة الشوق‪ ،‬وتجد نفسك قد‬
                                                            ‫دخلت مع حبيبتك في دائرة التعود‪ ،‬ويسيطر على‬
 ‫بأصعب الكلمات‪ ..‬حاكمتها وحاكمتني‪ ..‬ولمتها على‬
  ‫تغيرها‪ ..‬بينما شيء هنالك في داخلي يخبرني أني‬            ‫حياتكما سرطان الملل الذي لا علاج له»‪( .‬ص ‪)55‬‬
   ‫أبله لأني سمحت لها بالانتصار‪ ..‬كل شيء تغير‬            ‫سيقف المحللون النسويون المدججون بعتاد الفلسفة‬
  ‫ليس شكلها فقط‪ ،‬ولا حتى طريقتها في الحب التي‬
‫أفتقدها‪ ،‬لكن كذلك نظرتها تغيرت‪ ،‬هواها‪ ،‬رائحتها‪،‬‬              ‫الجندرية عن العنوان «مرآة» وعند المؤول الهام‬
  ‫لم تصبح كريهة‪ ،‬ولكنها التفت برداء البيت لتفقد‬            ‫«نصف» الذي يتلاعب بالحقيقة لأن نصف المرآة‬
                                                           ‫له حقيقة كاملة يعكسها رغم أنها نصف حقيقة‪..‬‬
                              ‫بهجتها»‪( .‬ص‪)58‬‬
‫في الخلاصة‪ ،‬ولكي نعود إلى وجهة النظر الفلسفية‪،‬‬               ‫وسيثير هؤلاء المحللين أكثر كون المؤلف كاتبة‬
 ‫فإنه إذا كان النسويون يعتمدون كثي ًرا على الثقافة‬          ‫تحدث بلسان رجل‪ ،‬وهي وضعية للعب بالأقنعة‬
  ‫في الكشف عن مرتكزات قوية لادعاءاتهم الثورية‪،‬‬            ‫(والمرايا) يهتم بها المحللون كثي ًرا‪ ،‬إلا أن ما يثيرنا‬
‫فإن النصوص الأدبية تأتي على رأس هذه العلامات‬               ‫كقراء من خارج دائرة التحليل الجندري للقصص‬
                                                           ‫هو لعبة القص واللصق العميقة والهامة؛ ذلك أنها‬
   ‫الثقافية‪ .‬تقول الباحثة المناضلة ألفة يوسف‪« :‬ألا‬          ‫تتحقق دون أن نشعر بها‪ ،‬وقد كان نقاد السلف‬
‫تكتشف المرأة في أقصى الكتابة أن موضع الذكوري‬
                                                               ‫يصرون على أن فن النظم (والتأليف عمو ًما)‬
   ‫المتكلم الكاتب لا يجيبها عن سؤال ذاتها‪ ،‬فتنشئ‬             ‫يجد ضالته في مسار الاجتهاد في التأليف أو ًل‪،‬‬
     ‫كلا ًما مختل ًفا يحاول أن يكتب الأنوثة؟ هل من‬          ‫ثم الاجتهاد الثاني في إخفاء آثار الجهد بحثًا عن‬

   ‫الصدفة أن تكون أكثر الشخصيات الأساسية في‬                            ‫الضالة الفنية المطلقة‪ :‬السهل الممتنع‪.‬‬
     ‫روايات المرأة نساء وأن يعمد جلهن إلى ضمير‬                  ‫تتشكل القصة القصيرة كإطار فنّ ًي يحضن‬
                                                           ‫مكونات الحياة‪ ،‬الحياة التي عادة ما يكون إطارها‬
   ‫المتكلم‪ ..‬ألا تكتشف المرأة في أقصى الكتابة جرح‬          ‫الرئيسي هو الزمن وكفى تتحول بقدرة قادر إلى‬
     ‫الأنوثة الأصلي‪ ،‬وهو أن موضع المرأة النفسي‬               ‫بناء أيديولوجي وفني ولغوي خاصة تعمل فيه‬
                                                             ‫اللغة عم ًل لا نعرفه في الحياة‪ ،‬فاللغة في الحياة‬
 ‫ليس بإزاء الرجل بل بإزاء ما يسمى المرأة الأخرى‬          ‫الفعلية التي تقبع خارج النصوص هي أداة تواصل‬
‫(‪ )l’autre femme‬تلك التي من المفروض أن تمتلك‬               ‫وكفى (أو هكذا نعتقدها خطأ) مثلما أن الزمن هو‬
‫سمات الأنوثة المثالية‪ ،‬تلك التي تتساءل المرأة إزاءها‬     ‫مجرد حيلة حسابية لترتيب فوضى الوجود‪ ،‬ولكننا‬
                                                         ‫نلج النصوص مع هويدا أبي سمك لنجد اللغة تعيد‬
    ‫دو ًما‪ :‬أي شيء لا أملكه أنا تمتلكه هذه الأخرى‬             ‫صياغة صلاتنا المختلة مع العالم‪ ،‬ونجد الزمن‬
‫المفترضة الكاملة ج ًّدا‪ ،‬الضائعة ج ًّدا؟ ألا يمكن لهذه‬     ‫يرتب أفكارنا بد ًل من أن يحدث العكس كما تعود‬

    ‫الضائعة أن تحفر كلا ًما تسيطر عليه الكاتبة؟»‪.‬‬                       ‫الفلاسفة أن يكرروا على مسامعنا‪.‬‬
      ‫(يوسف‪ ،‬ألفة‪ :‬دراسة «بين اثنين – ‪L’entre‬‬               ‫في مقطع آخر من هذه القصة التي ترسم ببراعة‬
                                                           ‫ملحوظة تأملات زوج في زوجته التي يشعر يرى‬
 ‫‪»deux‬؛ ضمن كتاب «ثنائية الكينونة» لمجموعة من‬              ‫أنها قد تغيرت (وهو زوج ينظر من زاوية واحدة‬
                                ‫المؤلفات‪ ،‬ص‪)13‬‬           ‫تشكل نصف رؤية؛ أي أنها نظرة في «نصف مرآة»‬

‫المرأة الأخرى هي المرأة التي تتسرب إلينا من النص‬                      ‫وهو في عرفي تفسير العنوان)‪ ..‬نقرأ‪:‬‬
    ‫الآخر من المرآة‪ ،‬النص المغيب غيا ًبا مل ًّحا علينا‪،‬‬     ‫«أنت مجنون وتغار» هذا ما قالته زوجتي عندما‬
                                                           ‫شكوت لها إهمالها لي‪ .‬أردت أن أعود فتاها المدلل‬
‫تغييب نصي يتم بالضرورة ردم فراغاته على أرض‬               ‫مرة أخرى‪ ،‬وأن تصالحني بهذا العناق الرائع‪ ،‬بينما‬
   ‫التأويل‪ ..‬أما التأويل فإنه سيتحول إلى نصوص‬
     ‫تتحكم في مزاج المستقبل لأنه لا شيء موجود‬

 ‫خارج النصوص كما يقول جاك ديريدا‪ ،‬وما مزاج‬
 ‫الغد إلا هسيس يتحرك بشكل خفيف لطيف بالكاد‬

           ‫ندركه على أرض النصوص التي ننتجها‬
   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97