Page 95 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 95

‫نون النسوة ‪9 3‬‬                                                ‫«الأنثوية الخلابة» التي تجسد فتنة المرأة‪ ،‬حسب‬
                                                               ‫المعايير السائدة في مجتمع أصبح كل شيء فيه‬
                ‫رؤية المرأة باعتبارها أداة للإنجاب‪.‬‬        ‫سلعة‪ ،‬تخضع لقوانين العرض والطلب‪ ،‬هنا تكتشف‬
                                                           ‫الكاتبة‪ /‬البطلة‪ ،‬عمق المفارقة التي انتبهت لها بسبب‬
 ‫تناقضات المرآة‪ /‬الواقع في مقابلة التخيلي‬                  ‫طبق «المقبلات» اللذيذ‪ ،‬الذي يفتح شهيتها للأكل‪ ،‬في‬
                                                           ‫موازاة مع فقدانها لتلك الشهية في علاقتها الزوجية‪،‬‬
‫تسمح الانزياحات السردية في صنع عوالمها الخاصة‪،‬‬
   ‫بعي ًدا عن سلطة الواقع‪ ،‬تنجح الكاتبة في تتبع آثار‬                                 ‫تقول في نهاية القصة‪:‬‬
      ‫الذات‪ ،‬تسمع حفيف الداخل وصراخ اللاوعي‪،‬‬               ‫«المقبلات‪ ،‬نعم كانت جميلة ج ًّدا‪ ،‬لا غني عن المقبلات‬
   ‫حيث ينطلق في حرية مطلقة لتنفيس طاقة الغضب‬              ‫لدي أكبر الأماكن الناجحة‪ ،‬إذن لم لا يهتم زوجها أب ًدا‬
      ‫والإحباط التي تعانيها الكاتبة‪ ،‬كجزء من طبقة‬         ‫بالمقبلات في السرير‪ ،‬بينما يوجه اهتمامه دائ ًما للطبق‬

 ‫وسطي ترزح تحت وطأة التناقضات الطبقية‪ ،‬فبقدر‬                                                   ‫الرئيسي؟»‪.‬‬
   ‫ما تفشل في مقاومة الواقع‪ ،‬تنجح في خلق ثورتها‬               ‫وفي نصها «السمينة» تنكأ جر ًحا عمي ًقا في علاقة‬
        ‫الداخلية‪ ،‬وتحرير الأحلام من أفقها الضيق‪.‬‬            ‫المرأة بجسدها‪ ،‬ربما تنكسر هنا في هذا النص‪ ،‬حدة‬
    ‫في قصتها «محكمة» تسعي البطلة للانتقام‪ ،‬ليس‬            ‫التناول لتلك العلاقة المثيرة للجدل‪ ،‬فمن ناحية تسعي‬
      ‫انتقا ًما عبثيًّا‪ ،‬ينتمي لرغبة الذات في التعبير عن‬    ‫الحركات النسوية لضرورة فصل المرأة عن المعايير‬
  ‫وحشيتها الدفينة اللاواعية‪ ،‬بل انتقام منطقي مبني‬           ‫الجمالية السائدة التي أسسها الرجل‪ ،‬وأن تكتشف‬
  ‫على المفهوم العكسي لقواعد المجتمع‪ ،‬التي نخر فيها‬
     ‫فساد القيم‪ ،‬تسعي هي لتحقيق العدالة في عالمها‬                ‫المرأة جمالها الذاتي‪ ،‬بعي ًدا عن تلصص رغبات‬
                                                           ‫الرجال‪ ،‬نحافة المرأة أو سمنتها هو أمر يخص المرأة‬
‫الصغير‪ ،‬وبيئتها المحلية الضيقة‪ ،‬وهي بذلك ربما تقع‬
 ‫في فخ التغيير المؤقت السلبي‪ ،‬الذي تلعبه تلك الرغبة‬           ‫نفسها‪ ،‬نشهد اليوم وبفعل ضغط الحياة الحديثة‬
 ‫في تحقيق انتصارات ذاتية صغيرة‪ ،‬بعي ًدا عن الرؤية‬            ‫وقوانينها الجمالية التي تقيِّم المرأة تب ًعا لطاقتها في‬

      ‫الجذرية للإشكاليات الاجتماعية التي تطرحها‪:‬‬               ‫الإغواء‪ ،‬وامتلاك مقاييس الجمال حسب معايير‬
     ‫«مدرس الكيمياء لم تعد تطيقه‪ ،‬كانت تعرف من‬               ‫الموضة‪ ،‬حتى أننا نرى تكري ًسا مكث ًفا لتلك المعايير‬
     ‫البداية أنه ليس الأفضل‪ ،‬ولكن امكانيات والديها‬          ‫في وسائل الإعلام وشركات الدعاية‪ ،‬التي لا تسعي‬
  ‫توافقت مع الأجر الذي يحصل عليه نظير حصصه‪،‬‬                ‫فقط لنشر نمط جمالي معين‪ ،‬بل تروج أي ًضا لمنتجات‬
 ‫ولكنها لم تعد تتحمل‪ ،‬سيتسبب هذا الغبي في ذهابها‬
                                                                     ‫شركات التجميل‪ ،‬فهنا لا ينفصل الجمال‬
                                                                    ‫وصناعته‪ ،‬عن الاقتصاد وتسويق الأنماط‬

                                                                       ‫الجمالية‪ ،‬التي تزيد من ربح الشركات‪،‬‬
                                                                  ‫وربما لهذا السبب تحاول الحركات النسوية‬

                                                                         ‫كسر تلك المعايير‪ ،‬ومقاومة الضغوط‬
                                                                     ‫النفسية الهائلة التي تحدث للنساء نتيجة‬

                                                                       ‫لذلك‪ ،‬وتشكل عبئًا على حياتها الخاصة‬
                                                                                                  ‫والعامة‪.‬‬

                                                                          ‫من خلال تلك القصة‪ ،‬تسعي البطلة‬
                                                                       ‫للمماهاة مع تلك المعايير‪ ،‬ليس رغبة في‬
                                                                   ‫تطبيقها لتحقق إشباعها الجمالي‪ ،‬بل لسبب‬
                                                                    ‫آخر‪ ،‬وهو علاقة السمنة بالإنجاب‪ ،‬وكيف‬
                                                                      ‫يقودنا هذا التناول في طريق آخر‪ ،‬حيث‬
                                                                      ‫تتولد متواليات جدلية نتيجة تعميق تلك‬
                                                                       ‫الرؤية الذكورية للجمال‪ ،‬بل ولتكريس‬
   90   91   92   93   94   95   96   97   98   99   100