Page 45 - b
P. 45

‫وسبع سموات‪ ،‬فوقهم وتحتهم عرش الرحمن على الماء‪ ،‬ولم تكن‬
‫مسكونة حتى تلك اللحظة‪ .‬فالكتب تف ِّسر «اهبط منها» بمعنى «اخرج‬
‫منها» دون أن تزيد‪ ،‬وهي ‪-‬الكتب‪ -‬التي ما تركت صغيرة ولا كبيرة‬

                                                   ‫إلا فصلتها!‬
‫لا يقف الالتباس عند هذا الحد‪ ،‬فحين يقول الله في كتابه «ث َّم‬
‫قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إ َّل إبليس أبى واستكبر وكان‬
‫من الكافرين» (الأعراف‪ ،)11 :‬ويتكرر الأمر بالصيغة نفسها في أكثر‬
‫من موضع‪ ،‬منها قوله «وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا‬
‫إ َّل إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين» (البقرة‪« ،)34 :‬فسج َد‬
‫الملا ِئك ُة كله ْم أجم ُعو َن‪ ،‬إلا إبليس َأبى َأن ي ُكو َن مع الساجدي َن»‬
‫(الحجر‪ ،)31-30 :‬فيفهم من سياق الأمر الموجه للملائكة أن إبليس‬
‫َم َل ٌك‪ ،‬لأنه استثناء من كل هم الملائكة‪ ،‬لكن سورة الكهف تقول‪« :‬وإذ‬
‫قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إ َّل إبليس كان من الج ِّن ففسق‬
‫عن أمر ر ِّب ِه‪( »..‬الآية‪ ،)50 :‬ومع ذلك فلنترك هذه التفصيلة إلى‬
‫تفصيلة أعظم منها لأنها تستعصي على العقل‪ ،‬فقد كان على إبليس‬
‫أن يدخل الجنة ويصل إلى آدم وحواء ليغويهما بالأكل من الشجرة‬
‫التي نهاهما الله عن أكل ثمارها‪ ،‬فكيف دخل؟ (طب ًعا باعتبار أنه‬
‫‪-‬وقتها‪ -‬كان عليه أن يظهر بنفسه‪ ،‬لا أن يتسلل إلى العقل ويغوي‬

                                         ‫البشر كما نحن الآن!)‬
‫في تفسير الطبري للآية (‪ )36‬من سورة البقرة « َف َأ َزلَّ ُه َما ال َّش ْي َطا ُن‬
‫َع ْن َها َف َأ ْخ َر َج ُه َما ِم َّما َكا َنا ِفي ِه»‪ ،‬يقول بعد ذكر تسلسل السند‪« :‬لما‬
‫أسكن الله آد َم وذريته ونهاه عن الشجرة‪ ،‬وكانت شجر ًة غصونها‬
‫متش ِّع ٌب بعضها في بعض‪ ،‬وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم‪ ،‬وهي‬
‫الثمرة التي َنهى الله آد َم عنها وزوجته‪ .‬فلما أراد إبليس أن يستزلَّهما‬
‫َدخل في جوف الحية‪ ،‬وكانت للحية أربع قوائم كأنها ُب ْختِيَّة‪ ،‬من‬
‫أحسن دابة خلقها الله‪ ،‬فلما دخلت الحية الجنة‪ ،‬خرج من جوفها‬

                              ‫‪45‬‬
   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50