Page 228 - merit 50
P. 228

‫العـدد ‪50‬‬                           ‫‪226‬‬

                                    ‫فبراير ‪٢٠٢3‬‬

 ‫إنجاز العمل الفني وبين انسحاب‬       ‫كيف يشبع الفنان رغباته المكبوته‬              ‫خلاصة القول؛ رغم كل‬
     ‫(الليبيدو)‪ ،‬ويقول «شيلر» إن‬      ‫من خلال الفن‪ ،‬ومن هذه النقطة‬             ‫الاختلافات التي ظهرت بين‬
    ‫الفن لعب؛ وكما سبق وأشرت‬        ‫تحدي ًدا كانت البداية الحقيقية التي‬        ‫(فرويد ويونج وأدلر) فإنه‬
                                                                              ‫يبقى اللاشعور عند ثلاثتهما‬
 ‫إلى أن «فرويد» صرح بأن الفنان‬              ‫انطلق منها هانز ساكس‪.‬‬            ‫هو الأساس الذي تقوم عليهم‬
   ‫يشبع رغباته المكبوتة من خلال‬       ‫ورغم اهتمام «فرويد» بالإبداع؛‬
   ‫الفن‪ ،‬ولكنه لم يوضح لنا كيف‬       ‫إلا أنه يقرر في وضوح تام أننا لا‬                          ‫نظرياتهم‪.‬‬
  ‫يحدث ذلك؛ فكان عدم التوضيح‬          ‫يمكنا الاطلاع على طبيعة الإنتاج‬        ‫ورجو ًعا إلى «فرويد» والإبداع‬
                                      ‫الفني من خلال التحليل النفسي‬       ‫الفني؛ وبحسب ما ذكره «سويف»‬
      ‫هو نقطة الانطلاق الحقيقية‬       ‫(‪ ،)1932 freud‬وأن حديثه عن‬
 ‫لتلميذه وصديقه «هانز ساكس»‪،‬‬          ‫الفنان التشكيلي «دافنشي» ليس‬             ‫في كتابه دراسات نفسية في‬
  ‫والذي وضح العلاقة بين الفنان‬       ‫سوى عرض باثوجرافي(‪ ،)6‬فالفن‬             ‫الإبداع والتلقي؛ فإننا نجد أن‬
 ‫والعمل الفني انطلا ًقا من الأسس‬     ‫عند «فرويد» هو‪« :‬الميدان الأوحد‬          ‫«فرويد» عندما أظهر وو َّضح‬
  ‫الفرويدية نفسها‪ ،‬وخلص إلى أن‬         ‫في حضارتنا الذي ما زال يظهر‬       ‫وبيَّن الآليات التي تساهم في عملية‬
                                     ‫فيه الإيمان بالقدرة المطلقة للفكر‪،‬‬     ‫الإبداع الفني‪ ،‬قرر أن المقومات‬
    ‫القصيدة الشعرية التي ينظمها‬       ‫ففي الفن وحده لا نزال نرى أن‬           ‫والخصائص والسمات العامة‬
 ‫الشاعر (أي الفنان والمبدع والذي‬       ‫الإنسان وقد طغت عليه رغباته‬        ‫لهذه الآليات تشترك مع ما يتعلق‬
 ‫ينتمي للفئات الخاصة) ما هي إلا‬         ‫ينتج شيئًا مماث ًل لإشباع هذه‬        ‫ويكمن وراء العمليات الذهنية‬
                                                                           ‫(العقلية) غير المتماثلة والمتطابقة‬
    ‫حلم يقظة اجتماعي‪ ،‬ولكن هذا‬             ‫الرغبات»‪( .‬سويف ‪)1999‬‬               ‫في الظاهر والعلن؛ كالأحلام‬
‫القول به تناقض؛ لان هانز ساكس‬             ‫ولأن الفنان ‪-‬وهو نفر منت ٍم‬
                                     ‫للفئات الخاصة‪ -‬من خلال العمل‬               ‫(الليلية أو اليقظة) والنكتة‬
   ‫نفسه قرر في بعض كتاباته؛ أن‬          ‫الفني الذي قدمه‪ ،‬والذي يمثل‬         ‫والأعراض العصابية‪sachs( ،‬‬
 ‫حلم اليقظة ‪-‬وهنا نلاحظ تحديده‬        ‫إبداعه الشخصي‪ ،‬والذي ضحى‬           ‫‪ )1942‬وذلك لأن اللاشعور لديه؛‬
                                       ‫من أجله بكل ما يستلزم العيش‬       ‫كما سبق وأوضحت‪ ،‬هو الأساس‬
      ‫لحلم اليقظة وليس للأحلام‬          ‫من وجهة نظر العاديين؛ يقوم‬           ‫الذي تقوم عليه عملية الإبداع‬
‫عمو ًما‪ -‬يمتاز بتمركزه حول «أنا»‬    ‫بتقديم هذا العمل الفني للجمهور‪-‬‬
                                        ‫أي يقدمه للعاديين‪ -‬فيستثير‬                                ‫الفني‪.‬‬
   ‫البطل؛ أي صاحب الحلم؛ وذلك‬                                              ‫وبعي ًدا عن الدخول في تفسيرات‬
‫لانه دائ ًما ما تتحق رغباته الخاصة‬         ‫مشاعرهم بكل ما فيها من‬
                                      ‫عواطف؛ كما يستثير انفعالاتهم؛‬           ‫«فرويد» لهذه الآليات‪ ،‬والتي‬
   ‫في الأحلام لمنحه اللذة الخالصة‬                                        ‫تعتمد في أساسها على التسامي(‪،)4‬‬
‫المباشرة بوصفه صاحب الحلم أي‬            ‫وذلك على الرغم من أن الفنان‬        ‫وبغض النظر عن أفكار «فرويد»‬
                                      ‫يقدم عم ًل فنيًّا لا يزيد عن كونه‬
   ‫صاحب الرغبة‪ ،‬وبالتالي تتحطم‬                                              ‫السيكولوجية‪ ،‬والتي تقوم على‬
‫فكرة الثنائية التبادلية التي فرضها‬       ‫خدا ًعا؛ وبالتالي كان التقريب‬      ‫كبت رغبة الغريزة الجنسية(‪،)5‬‬
                                      ‫الذي قام به «فرويد» بين الفنان‬
     ‫«ساكس» في ممارسة الحياة‬                                                  ‫واتخاذ هذا الركائز؛ كمداخل‬
   ‫الاجتماعية‪ ،‬ولكن عمو ًما توجد‬         ‫والعصابي منطقيًّا إلى حد ما‪،‬‬      ‫لتفسير طفولة «دافنشي» دعني‬
 ‫أحلام يقظة تتم بشكل ثنائي؛ أي‬      ‫وليس «فرويد» وحده صاحب هذه‬              ‫ألخص لك الأمر في أن «فرويد»‬
    ‫حلم يقظة متبادل بين طرفين؛‬      ‫النظرة؛ فربط شوبنهور بين الفنان‬       ‫يرى أن النبوغ الفني والاستعداد‬
  ‫وليس بين الشخص ونفسه؛ بل‬
    ‫بين شخصين تعرضا لتجارب‬              ‫والمجنون‪ ،‬وتلك نتيجة منطقية‬              ‫للإنتاج والإبداع مرتبطان‬
   ‫مشابهة؛ كي تكون اوجه الشبه‬       ‫ج ًّدا لنظرة شوبنهور‪ ،‬والتي تعتبر‬                         ‫بالتسامي‪.‬‬

         ‫النفسي بينهما واضحة‪.‬‬          ‫الفن فرا ًرا من الحياة‪ ،‬والإبداع‬   ‫كما قرر «فرويد» في موضع آخر‬
 ‫حقيقة الأمر كان «فرويد» يسير‪،‬‬            ‫عند كارل يونج مربوط بين‬             ‫أن أعمال الفنان منفذ لرغبته‬
                                                                             ‫الجنسية‪ ،‬ولكنه لم يوضح لنا‬
      ‫ويسير خلفه كثيرون‪ ،‬منهم‬
     ‫المؤيدون ومنهم المعارضون‪،‬‬
   ‫ومن هؤلاء المعارضين مؤسس‬
   223   224   225   226   227   228   229   230   231   232   233