Page 224 - merit 50
P. 224

‫العـدد ‪50‬‬                             ‫‪222‬‬

                                     ‫فبراير ‪٢٠٢3‬‬

 ‫الأعلى) بكل ما فيه من ُمثل وقيم‬     ‫عملية التنشئة الاجتماعية التي يمر‬         ‫فجاءت المحصلة النهائية قيامه‬
  ‫مقبولة اجتماعيًّا؛ على أن يتم هذا‬   ‫بها‪ ،‬و(الأنا الأعلى) دائ ًما في حالة‬   ‫بدراسة شخصية الفنان؛ كنموذج‬
                                        ‫نشاط ويقظة وتحفز؛ فهي تظل‬
    ‫التوافق دون تفريط أو إفراط‪.‬‬      ‫محتفظة بطاقتها الانفعالية وتنتظر‬          ‫بشري مغاير يستدل من خلاله‬
     ‫ولكي ُيشبع الفرد منا (الهو)‬                    ‫فرصة للانطلاق‪.‬‬                 ‫على كل ما يتعلق بالإبداع‪.‬‬
  ‫بكل ما بداخله من دوافع فطرية‬          ‫تحدث الأزمات والمشاكل نتيجة‬
‫وبدائية غير مرغوب فيها؛ يلجأ إلى‬       ‫عدم توافق (الأنا بين الهو والأنا‬      ‫كان الفنان عند «فرويد» هو المرآة‬
  ‫أمور غير سوية سماها «فرويد»‬          ‫الأعلى)؛ بمعنى آخر؛ إن التوافق‬         ‫التي ينظر فيها ليرى من خلالها‬
 ‫(ميكانيزمات الدفاع)‪ ،‬وهي حيل‬            ‫والاتزان يحدث عندما يتوافق‬
  ‫نفسية يستخدمها الفرد لإشباع‬             ‫(الأنا بين الهو والأنا الأعلى)؛‬       ‫جانبًا جدي ًدا لنظريته النفسية‪.‬‬
     ‫دوافعه؛ كالإسقاط والتحويل‬             ‫مع الأخذ في الاعتبار أن كل‬          ‫وبعي ًدا عن كون «فرويد» معنيًّا‬
   ‫والإزاحة والنكوص والتسامي‬               ‫قوة لا شعورية منهما تريد‬          ‫بدراسة الفن بشكل قائم بذاته أو‬
                                        ‫جذب (الأنا) إليها؛ فهما بطبيعة‬        ‫كان هذا جز ًءا من كل؛ فلا بد أن‬
                     ‫والتقمص‪.‬‬             ‫الحال متناقضان يدور بينها‬           ‫نقف قلي ًل لنتعرف على ‪-‬ونتأمل‬
  ‫ما إن دخل «فرويد» ‪-‬ومن بعده‬         ‫صراع ويسببان صرا ًعا للأفراد؛‬             ‫في‪ -‬الركائز الأساسية لمدرسة‬
 ‫تلاميذه‪ -‬إلى عالم الفن عن طريق‬       ‫فـ(الهو) غرائز جنسية مرفوضة‬
                                         ‫(والأنا الأعلى) قيم و ُمثل عليا‬          ‫التحليل النفسي‪ ،‬والتي ترى‬
     ‫نظرية التحليل النفسي؛ حتى‬          ‫مرغوبة‪ ،‬وبالتالي (الأنا) تعيش‬       ‫مكونات الشخصية بشكل عام على‬
    ‫وجدناه يقرر أن منبع الإبداع‬          ‫صراعها بينهما من خلال قوة‬
    ‫هو اللاشعور؛ فهو المادة التي‬       ‫ثالثة هي قوة المجتمع المتمثلة في‬                         ‫النحو الآتي‪:‬‬
 ‫تصنع أحلامنا سواء كانت الليلية‬         ‫ضوابطه التي تفرض و ُتقر على‬            ‫ال ُه َو ‪ :id‬وهو المكان أو المخزن‬
  ‫أو اليقظة‪ ،‬وما بينهما؛ وعلى حد‬        ‫الفرد نم ًطا محد ًدا من السلوك؛‬       ‫أو المستودع الموجود فيه الغرائز‬
      ‫تعبير د‪.‬مصطفى سويف في‬             ‫ف ُيطلب من (الأنا) الوصول إلى‬         ‫البدائية والفطرية خاصة الغرائز‬
  ‫كتابه دراسات نفسية في الإبداع‬         ‫التوافق والتوازن بين متطلبات‬            ‫ذات الطبيعة الجنسية‪ ،‬ويوجد‬
 ‫والتلقي‪« :‬فالشعراء يغرقون فيها‬       ‫(الهو) الجنسية الغريزية الفطرية‬
     ‫بعماء شديد ويخرجون منها‬           ‫المرفوضة وغير المقبولة‪ ،‬و(الأنا‬             ‫أي ًضا بداخل هذا المستودع‬
‫برموز يشعرون فيها بلذة جمالية‬                                                    ‫الحوادث والأحداث والمواقف‬
     ‫دون إدراك لمعناها الحقيقي»‪.‬‬                                               ‫المؤلمة‪ ،‬والمعتقدات والأفكار غير‬
  ‫وعندما تأمل كارل يونج ‪-‬وهو‬                                                     ‫المقبولة والمرفوضة اجتماعيًّا‪،‬‬
   ‫أحد أهم تلاميذ فرويد‪ -‬أشعار‬                                                  ‫وسمى فرويد الطاقة الجنسية‬
‫إنجيلوس سيليزيوس في التصوف‬
  ‫قال‪« :‬إنه لمما يدعو للسخرية أن‬                                                               ‫بـ(الليبيدو)‪.‬‬
 ‫نزعم أن مثل هذه الأفكار لم تكن‬                                               ‫الأنا ‪ :ego‬يقع بين (الهو والأنا‬
  ‫سوى ناتج للتأمل المشعور به»؛‬
   ‫وبنظرة عابرة لهذه المقولة نجد‬                                                   ‫الأعلى) وهو ميزان بينهما‪،‬‬
 ‫أن «يونج» يرى أن الشعور ليس‬                                                     ‫وكلاهما (الهو والأنا الأعلي)‬
   ‫هو المحدد؛ حتى وإن كان جز ًءا‬                                               ‫يريد جذب (الأنا) إليه؛ و(الأنا)‬
  ‫من كل؛ فالشعور هو الأهم لانه‬                                                   ‫هو المسؤول عن الشعور؛ أي‬
   ‫هو المحدد؛ ثم يقرر «يونج» في‬                                                  ‫الحياة الشعورية للفرد؛ ومن‬
    ‫موضع آخر؛ أن الفن نوع من‬                                                     ‫خلال (الأنا) يتم التعامل مع‬
    ‫الحافز الفطري‪ ،‬يمسك بالفرد‬                                              ‫مكونات ومعطيات وتفاصيل العالم‬
 ‫ويجعله آله له (أي يحركه بشكل‬                                                  ‫الخارجي المحيط بنا؛ أي الحياة‬
                                                                             ‫بكل ما فيها والمجتمع بكل ما فيه‪.‬‬
                                                                            ‫الأنا الأعلى ‪ :SUPER EGO‬وهو‬
                                                                             ‫مكان أو مخزن أو مستودع القيم‬
                                                                              ‫والمثل العليا التي ُيقرها المجتمع‪،‬‬
                                                                               ‫ويحصل عليها الفرد من خلال‬
   219   220   221   222   223   224   225   226   227   228   229