Page 254 - merit 50
P. 254

‫وإعادة هيكلة الحقل الديني عمو ًما؛‬                                ‫العـدد ‪50‬‬                           ‫‪252‬‬
‫وعبر مد وزارة الأوقاف والشؤون‬
 ‫الإسلامية بإمكانيات مهمة تمكنها‬                                                 ‫فبراير ‪٢٠٢3‬‬      ‫مثقف مزيف انتهازي‪ ،‬ومثقف‬
‫من تجذير موقعها وخطابها في كل‬                                                                   ‫مستقيل‪ ،‬ومثقف متعال منفصل‬
                                          ‫مفهوم إمارة المؤمنين‪ ،‬أو بالنسبة‬                    ‫كلية عن شجون المجتمع وقضاياه‪.‬‬
   ‫المواقع والمظاهر الدينية‪-187( .‬‬              ‫لباقي المؤسسات السياسية‬                         ‫وداخل هذا الإطار‪ ،‬تمكن الكاتب‪،‬‬
                          ‫‪)216‬‬
                                           ‫والمدنية‪ ،‬والتي لا تتورع‪ ،‬في رأي‬                       ‫من تحديد أبرز واجهات الفعل‬
      ‫وقد اعتبر الكاتب‪ ،‬في الفصل‬            ‫الكاتب‪ ،‬عن اللجوء إلى الدين من‬                      ‫والحضور‪ ،‬التي تعلن من خلالها‬
  ‫السادس والأخير من هذا الكتاب‬             ‫أجل تأكيد الانخراط الإيجابي في‬
‫المعنون بـ»النخبة العسكرية‪ ،‬سياج‬            ‫النسق العام للدولة‪( .‬ص‪-175‬‬                            ‫النخبة المثقفة بالمغرب وجودها‬
 ‫الطابوات وقواعد اللعبة الجديدة»‪،‬‬                                                                 ‫وامتدادها‪ ،‬وممارسة وظيفتها‬
                                                                   ‫‪)176‬‬                       ‫النقدية في اتجاه التبرير أو المساءلة‬
    ‫أن المؤسسة العسكرية المغربية‬               ‫وعليه‪ ،‬وفي هذا المستوى من‬                         ‫أو الترف الفكري أو الاستقالة‪،‬‬
  ‫مندمجة دو ًما في صلب التحولات‬                ‫التحليل‪ ،‬حاول الكاتب رصد‬                           ‫وهي‪ :‬الجامعة والبحث العلمي‬
   ‫السوسيو سياسية‪ ،‬التي عرفتها‬                  ‫جغرافيا الحركة الإسلامية‬                          ‫والأحزاب السياسية والمجتمع‬
                                          ‫بالمغرب‪ ،‬عبر تحديد أهم جماعاتها‬                         ‫المدني‪ ،‬ودوران المثقف في فلك‬
    ‫البلاد‪ .‬فقد كانت مساهمة عبر‬          ‫ومؤسساتها التي تمنحها الحضور‬
     ‫تدخلاتها‪ ،‬بشكل أو بآخر‪ ،‬في‬                  ‫والامتداد المجتمعي‪ .‬فهناك‬                          ‫السلطة وابتعاد الخطاب عن‬
  ‫صناعة أهم القرارات التي حددت‬                ‫فسيفساء دينية‪ ،‬ويبقى الملك‪،‬‬                         ‫الممارسة وتغريد المثقف خارج‬
      ‫ملامح النصر العام وتوجيه‬              ‫في خضمها وبناء على مقتضيات‬                        ‫السرب‪ ،‬الفوبيا الزائدة التي يقصد‬
‫السياسات‪ .‬فرغم توجيه الانتقادات‬              ‫الدستور‪ ،‬الممث َل الشرع َّي للدين‬                  ‫بها المداهنة والنفاق والتقية‪ ،‬التي‬
 ‫إليها‪ ،‬إلا أنها اعتبرت أحد الأركان‬        ‫بالمغرب‪ ،‬والمجس َد للسلطة الدينية‬                    ‫تدمنها فئات واسعة من المثقفين‪.‬‬
    ‫الأساسية داخل مربع السلطة‪.‬‬                ‫العليا في البلاد‪ .‬فهذه الأخيرة‬
‫وبالرغم من كل محاولات الانقلاب‬                ‫ُت َؤ ِّم ُن استمرار النسق‪ ،‬بسبب‬                                  ‫(‪)169 -157‬‬
    ‫التي تورط فيها الجيش‪ ،‬خلال‬             ‫مشروعيتها التاريخية وتسجيلها‬                             ‫وفي الفصل الخامس المعنون‬
‫السبعينيات من القرن الماضي‪ ،‬فإن‬           ‫الدائم لحضوره في جميع تفاصيل‬                           ‫بـ»النخبة الدينية خلال ‪ 16‬ماي‬
 ‫ذلك كله‪ ،‬بحسب الكاتب‪ ،‬لم يقلص‬            ‫الحياة الدينية تكري ًسا للمشروعية‬                      ‫ورهانات الترويض والاحتواء»‪،‬‬
 ‫من مساحة حضور هذه المؤسسة‬               ‫الدينية واحتكا ًرا للسلطة السياسية‬                     ‫فقد توجه الكاتب بأدوات تحليله‬
   ‫داخل النسق السياسي المغربي‪.‬‬                                                                ‫السوسيولوجي‪ ،‬نحو الحقل الديني‬
  ‫فلقد كان للمحاولتين الانقلابيتين‬                             ‫في المغرب‪.‬‬                      ‫ذي الإشارات والدلالات المفتوحة‪،‬‬
      ‫لسنة ‪ 1971‬وسنة ‪ 1972‬أثر‬            ‫وما دام الحقل الديني في المغرب هو‬                    ‫منذ أحداث ‪ 16‬ماي ‪ ،2003‬بالدار‬
‫واضح في قرار الملك الراحل الحسن‬                                                                 ‫البيضاء الإرهابية‪ ،‬على كثير من‬
   ‫الثاني بأن يكون من الضروري‬              ‫الحقل المركزي في النسق‪ ،‬تتوزع‬                      ‫الاحتمالات‪ ،‬سواء في اتجاه الضبط‬
  ‫ربط المؤسسة العسكرية مباشرة‬            ‫منه كل السلط ويتم عبره تصريف‬                            ‫الأمني أو الانفلات الذي يعني‪،‬‬
 ‫بالمؤسسة الملكية‪ ،‬وأن يتحمل‪ ،‬هو‬           ‫مجموعة من القرارات‪ ،‬فلا بد من‬                       ‫بالنسبة للكاتب‪ ،‬المزيد من التفكك‬
 ‫شخصيًّا مباشرة مسؤولية القائد‬           ‫انتهاج الدولة لخيار التحصين‪ ‬لمحو‬                        ‫والإنتاج المتقدم للعنف والعنف‬
     ‫الأعلى للقوات المسلحة الملكية؛‬                                                           ‫المضاد‪ .‬فهناك مجموعة من الرموز‬
  ‫واض ًعا بذلك ح ًّدا نهائيًّا لإمكانية‬      ‫أي منافسة محتملة حول حقل‬                          ‫والصراعات تلتهب في هذا الحقل‪،‬‬
                                             ‫المشروعية الدينية؛ بل أكثر من‬                     ‫وتهفو الى شرعنة الوجود وتأكيد‬
       ‫تسليم مفاتيح تدبير الشأن‬           ‫ذلك‪ ،‬فلا بد‪ ،‬خصوصا بعد أحداث‬                          ‫الحضور في صلب كافة الأنساق‬
‫العسكري لشخص آخر‪ ،‬مهما أبدى‬               ‫‪ 16‬مايو بالدار البيضاء‪ ،‬من وضع‬                       ‫المجتمعية‪ .‬ذلك أن الدين يعتبر في‬
                                            ‫آليات جديدة لا تقف عند حدود‬                          ‫المغرب من أهم قنوات تصريف‬
  ‫من ولاء وتفا ٍن في خدمة القصر‪.‬‬         ‫مراقبة المساجد والجمعيات الخيرية‬                      ‫السلطة‪ ،‬سواء بالنسبة للمؤسسة‬
     ‫وبناء على ما تم ذكره‪ ،‬يتضح‬             ‫فقط‪ ،‬بل تمتد إلى الاختراق الكلي‬                    ‫الملكية التي تؤسس شرعيتها على‬
                                         ‫لمختلف تفاصيل المشهد الإسلامي‪،‬‬
                                           ‫عبر تنشيط حقل إمارة المؤمنين‪،‬‬
                                         ‫وتشجيع حضور الإسلام الرسمي‪،‬‬
   249   250   251   252   253   254   255   256   257   258   259