Page 10 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 10
العـدد 31 8
يوليو ٢٠٢1
د.عبد الكريم الفرحي
(المغرب)
َل ْعَن ُة َكا َس ْندَرا..
أوَ ..ت ْب ِكي ُت َص ْو ِت ال ُّش َعَرا ِء ِبال َّص ْمت
كان دانتي يعلم –لا شك -أن فيرجيليوس قد أضاع في أنوا ِء “الإنياذة”
بطلَه المغوار إينياس سنوا ٍت شتى ،لا استمطا ًرا للعنات ربات القدر
الرعناء ،بل بح ًثا عن معنى الحياة في حواف العماء والكالحات من
العواصف الهوجاء .ومع ذلك لم َي َّط ِر ْح فضيل َة الإنصا ِت بإزا ِء كلما ِت
مرشده ودليله ،لأنه استيقن أن بعد “الجحيم” Infernoلا ريب سيكون
«الـ َم ْط َهر» ،Purgatorioوبعد «المطهر» س َي َتأَ َّتى العروج إلى علياء
«الفردوس» .Paradisoولمثل تلك الأنوار تكون تراني ُم الشعر.
أيوب المصابر ،إذ توجع وتفجع في أحد أسفاره، في العام ،1949اقترح الفيلسوف الفرنسي
فتوسل« :اسمعوا كلماتي؛ فأكون قد نل ُت فقط هذه
التعزية منكم»( .)3يتراءى لي أن صدى أصوات كل غاستون باشلار ()Gaston Bachelard
صيغة «عقدة كاسندرا» (Le complexe de
من كاسندرا وأيوب والشعراء تحجبها الأستار )Cassandreفي سياق حديثه عن المراقبة الفكرية
نفسها :عزوف أقوامهم عن الإنصات لكلماتهم. للنفس ،ضمن كتابه العقلانية التطبيقية(Le( )1
،)Rationalisme appliquéوأصر على ضرورة
-1كاسندرا والكلمات الواهنات: نقضها بالنظر إلى عنفها النبوئي الذي ُي َعتِّ ُم « َف ْح َص
الإمكانات» ،ويخفض قيم َة « َذ َه ِب الممكن» (L’or
في التقاليد الهوميرية والفرجيلية( ،)4كانت كاسندرا .)du possibleلكن هل كانت نبوءا ُت كاسندرا
ابنة الملك بريام Priamمن زوجته هيكوبا ح ًّقا تثبيتًا مطل ًقا لاستشرافا ٍت قطعي ٍة تشبه «قانون
الخباز» في رواية صيد السنارك (The Hunting
Hecubaفتا ًة بارع َة الح ْس ِن مليح َة ال َق ِّد ف ْينان ًة )of the Snarkللويس كارول ()Lewis Carroll
َر َّيانة ،أُعجب بها أبوللوَ ،ف َها َم بها حتى كاد يصير إذ قال« :ما أقوله لك صحيح ثلاث مرات»( .)2أم
أن كل ما تملكه كاسندرا لا يتجاوز حشرجا ِت
وهو الإله المعبود عاب ًدا ،وكان ما يفتأ يباركها صوتها المبحوح المعذب المنبوذ الذي بالكاد يحاكي
ويخلع عليها من أ ْف َضاله ونعمائه ،ومن ذلك أنه صو َت شاع ٍر مهمته البو ُح لا الإقناع ،ويكفيه َب ْل َس ًما
وهبها القدر َة على الاستطلاع بما كان ،واستبصار لجراحا ِت الرو ِح فضيل ُة الإنصا ِت حين تنطق بلسان
ما يكون ،والاستشراف على ما سيكون .وصار ْت
ُتح ِّد ُث النا َس بالمكتوم من ماضيهم ،والـ ُم ْس َت َس ِّر