Page 13 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 13
11 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
لم أقم بأية محاولة لتدوينه
في ذلك الوقت ،فقد كان
هدفي آنذاك أن أتناساه،
خشية على عقلي .والآن
وبعد انقضاء سنوات أشعر
أنني لو سجلته على الورق،
فإن الآخرين سيقرؤونه
كقصة .وإنني لأرجو أن
يتحول يوما ما إلى مجرد
قصة بالنسبة إل َّي أي ًضا.
أعرف أنه كان مرعبًا عندما
وقع ،وكان أكث َر رعبًا في
ليالي الأرق التي أعقبته،
لكن هذا لا يعني أن رواية
ما حدث ستهز كل شخص
ألفريد دوبلن صمويل تيلور كولريدج غاستون باشلار آخر بالضرورة»( .)21أحيانا
ُن ِص ُّر على استذكار قصصنا
لا بوصفها وقائع ،بل تحت وطأة جمالية تسريد
سنة ،1930كتب أبو القاسم الشابي« :ذهب ُت أنا
والأخ «زين العابدين» والأخ «مصطفى خريف» الحنين أو شعرنته .يقول فيرجيليوس Publius
مساء اليوم الاثنين 13يناير 1930إلى النادي Vergilius Maroصاح ُب «الإنياذة» على لسان بطله
إينياس ،Aeneasإذ خاطب رفا َقه بعد أن طوحت
الأدبي لإلقاء محاضراتي عن كتاب «الأدب العربي
بهم رياح الأقدار الأنواء العاتيات إلى سواحل
في المغرب الأقصى» الذي طلب مني النادي الأدبي قرطاجة« :أي رفاقي ،يا من قاسيتم ح ًّظا عاث ًرا ،إننا
أن أبسط رأيي فيه ،ولكننا لم نجد أح ًدا هناك»(.)24 لم نكن نجهل من قبل هذه الشرور ( )..استعيدوا
أح ًدا هناك في محف ِل معازاوء ِاجلدكلالماشِاتبالُّيمشوب َوصباْح َِبت ُ،ه
فما كان لهم إلا أن دفنوا شجاعتكم ،وخلُّوا عنكم الحزن والخوف ،فقد
المحاضر َة في َح ْض َر ِة ال َّص ْمت ،واستروحوا منها إلى تنفعنا هذه الأحزا ُن يو ًما ما حين نأخذ منها حلو
«أقصوصة»( )25أخرى. الذكرى»( .)22أما عن قراءة قصص الآخرين فليس
ثمة أمتع من أن نستحضر ومض ًة من خيالات
أيها المصابر أيوب! جرا ُحك ُمثخنا ٌت ،وكلما ُتك
ساخنا ٌت ،وأمواجك تنكسر فيك .ها هو ذا أح ُد كولوريدج ،Samuel Taylor Coleridgeجاء فيها:
مقربيك ُ -م ِشي ًحا بوجهه عنك -يصيح« :باط ًل «شخص ما يحلم بأنه يقوم برحلة إلى الجنة ،ف ُت َق َّد ُم
يفتح أيوب فاه ،وفي جهله ي ُك ْث ِر ُالكلمات»( .)26أ َّما له زهرة .وفي اليقظة يجد الزهرة في يده»( ..)23واه ٌم
وقد صار الحال هكذا ،فليس ثمة عزا ٌء أر َّق على من يصطنع البرازخ بين والتخييل والتحقيق .زهرة
قلب أيوب -بعد إذ َذ َو ْت ك ُّل أزهاره -من أن ُي ْس َم َع
فقط! «اسمعوا كلماتي فأكون قد نل ُت فقط هذه في جنة التخييل ،أو حلم بها في يقظة التحقيق ،الأمر
سواء ،تسري ُد قص ِة الزهرة أو شعرن ُة ِر َّقتِها هو ما
التعزية منكم» .وفق ما أشرنا إليه سل ًفا .أو وفق ُي َكثِّ ُف رمزي َة َتـه َـا ِدي َها.
ما َأ َلـ َّح في سياق آخرَ « :م ْن يعطني شخ ًصا ما
يسمعني؟ ( )..اسمعوني وسأظهر لكم ما أعرفه. أما بالعودة إلى أيوب الذي كان قومه يتلهفون إلى
كلماته «كأرض عطشانة تنتظر المطر» ،فقد صار
الحال إلى النقيض .وإليك -قبل وصل الحديث -هذا
أصغوا إلى كلماتي لأني سأتكلم لو سمعتموني. المثال المستفيض :في إحدى المذكرات التي تعود إلى