Page 162 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 162

‫العـدد ‪31‬‬                                       ‫‪160‬‬

                                    ‫يوليو ‪٢٠٢1‬‬                                    ‫التي تفصل بين اللوغوس‬
                                                                             ‫[الكلام‪ /‬الخطاب] والواقع‪ .‬وقد‬
    ‫استمرارية سلالة الأبطال‪،‬‬           ‫حربها الخاصة التي أفرزت‬
   ‫َب ْيد أنه لا يخبرنا عن الحالة‬           ‫بدورها بطلها المتفرد‪.‬‬              ‫ترتب عن ذلك تغيير عدد من‬
 ‫النفسية لمن يستعملون كلمات‬                                                    ‫المفكرين لقناعاتهم السياسية‬
   ‫النصر قصد ُم َخا َت َل ِة وعيهم‬      ‫لقد كان الأمر بمثابة بداية‬              ‫والأيديولوجية؛ ومن أهمهم‬
   ‫المثقل بالهزائم‪ ،‬والمكلوم في‬          ‫لتعددية في صورة البطل‪،‬‬                ‫في هذا السياق “سيد قطب”‪.‬‬
    ‫نفس الآن بإحساس عميق‬             ‫ستتفاقم مع محاولة كل حزب‬                ‫ومع وفاة “عبد الناصر”‪ ،‬خفت‬
   ‫بالذنب منذ فقدان الأندلس‪.‬‬            ‫سياسي وكل حركة دينية‬                    ‫بريق صورة البطل القومي؛‬
  ‫ومع ذلك‪ ،‬فقد اكتشف الرأي‬           ‫فرض صورة “بطله‪/‬ها”‪ ،‬على‬                   ‫حيث أبانت عدة أنظمة عربية‬
                                         ‫الأقل على مناصريه‪ /‬ها‪.‬‬                 ‫‪-‬ومن خلال بنياتها أي ًضا‪-‬‬
       ‫العام العربي هذا البحر‬            ‫وقد نتج عن هذا التضخم‬
   ‫من الخداع؛ ذلك أن الأفكار‬            ‫في عدد الأبطال أن رفضت‬                   ‫عدم أهليتها للمحافظة على‬
   ‫الرائجة ا ْج َت َثّت الظاهرة من‬      ‫الأمة العربية اعتبار نفسها‬            ‫النموذج الناصري أو تعويضه‬
   ‫ُبعدها الواقعي‪ ،‬غير أنها لم‬         ‫منتصرة‪ ،‬ويعود ذلك إما إلى‬               ‫بنموذج آخر يكون قاد ًرا على‬
  ‫تستطع جعل الواقع محتم ًل‪.‬‬          ‫سخطها على “إنجازات” هؤلاء‬
     ‫فلا يمكن لتضخيم الاسم‬            ‫الأبطال الجدد وعدم رضاها‬                    ‫إرضاء طموحات شعوبها‬
   ‫والمبالغة وتلغيم المعلومة أن‬     ‫عنها‪ ،‬وإما إلى تخييب اللوغوس‬                 ‫وتطلعاتهم؛ بل على العكس‬
‫يقلب الهزيمة نص ًرا؛ إذ اكتشف‬                                                  ‫من هذا‪ ،‬لجؤوا إلى الشعارات‬
   ‫كل واحد ‪-‬بمفرده‪ -‬فداحة‬                  ‫[الخطابات] لظنها لعدم‬             ‫العروبية وأفرغوها من معناها‪.‬‬
 ‫انكساره وألم ُع ْر ِيه‪ .‬ولا يمكن‬      ‫ملاءمته لواقعها ولتطلعاتها‪،‬‬
    ‫لأ ٍّي كان أن يتعامى مدعيًا‬      ‫أو إلى حنينها إلى حقبة مجيدة‪.‬‬                 ‫كما ستحاول بعض هذه‬
   ‫جهله بما يحصل؛ فقد أبان‬            ‫وسيدفع غياب بطل معروف‬                    ‫الأنظمة التقرب من الحركات‬
   ‫التلفاز عن عمق المهانة التي‬      ‫‪-‬ولكن أي ًضا الفقر والإحساس‬                 ‫الإسلامية لأهداف سياسية‬
 ‫عانت منها الجماهير الشعبية‪،‬‬        ‫بالخيانة‪( -‬سيدفع) البعض إلى‬               ‫محضة‪ ،‬وسيكون التوقيع على‬
                                    ‫السقوط في اليأس أو التعصب‪.‬‬
      ‫مثلما عانى منها الجندي‬          ‫راب ًعا‪ -‬البطل‪ :‬صورة ُم ْب َت َذ َلة‪:‬‬      ‫معاهدة كامب ديفيد بمثابة‬
 ‫العراقي في الآن نفسه‪ .‬ومثلما‬           ‫لم تتغير بلاغة الحرب عبر‬              ‫الضربة القاضية‪ .‬ينضاف إلى‬
‫أظهر التلفاز لملايين المشاهدين‬      ‫العصور‪ ،‬فعندما يريد كاتب ما‬                ‫إفلاس السياسة الحداثية هذا‬
  ‫هول عنف هجمات نيويورك‪،‬‬             ‫(اتخذ الصحفي مكان الكاتب)‬               ‫إنهاك الاقتصاد نتيجة التسيير‬
                                     ‫في أيامنا هذه أن يصف رئيس‬
     ‫فقد أذاع أي ًضا أمام أنظار‬                                                 ‫الرديء‪ ،‬فض ًل عن الحروب‬
    ‫العالم الأفعال اللا إنسانية‬          ‫دولة عربية ما‪ ،‬فهو ينعته‬             ‫الأهلية حول السلطة‪ ،‬وعواقب‬
 ‫للمسمى “شارون” [ولكل من‬              ‫بالبطل الذي لا ُيقهر‪ ،‬وبأسد‬
‫قاد إسرائيل بعده]‪ .‬فأي قراءة‬        ‫الصحراء‪ ،‬وبمحرر المضطهدين‪،‬‬                   ‫الأمية‪ ،‬وغياب استراتيجية‬
    ‫ستقدمها الجماهير العربية‬            ‫وبسيف الله المسلول‪ .‬نفس‬                 ‫إعلامية‪ .‬وهكذا‪ ،‬أدى تراكم‬
‫المسلمة لهذا السيل من الصور‬           ‫المعجم يوظفه الصحفيون في‬                   ‫هذه الانكسارات إلى تدمير‬
  ‫التي لا تقبل إلا معنًى واح ًدا‬       ‫تغطيتهم لمباريات كرة القدم‬            ‫صورة البطل القومي‪ .‬وقد أعلن‬
‫من الناحية الإنسانية‪ ،‬وتحتمل‬         ‫مث ًل؛ بحيث يمتاح من الذاكرة‬             ‫حادث اغتيال “أنور السادات”‬
                                                                             ‫عن بروز حركة تؤسس للعنف‬
       ‫دلالات عدة من الناحية‬              ‫الجمعية‪ ،‬حتى أن بعض‬                 ‫دون البحث عن حلول لمشاكل‬
  ‫السياسية؟ كيف ستؤثر هذه‬            ‫العبارات فقدت معانيها نتيجة‬             ‫الشعوب‪ ،‬ودون تشكيل صورة‬
                                                                               ‫جديدة للبطل القومي‪ .‬علاوة‬
     ‫الصور على تمثل الحرب؟‬                  ‫الإفراط في استعمالها‪.‬‬            ‫على ذلك‪ ،‬بما أن كل دولة عربية‬
   ‫لا يعني غياب البطل القومي‬            ‫ويستجيب هذا الجنوح إلى‬                   ‫نالت حريتها بنفسها‪ ،‬فهذا‬
   ‫موته‪ ،‬بل يؤشر على وجود‬                                                     ‫يعني أنها قد خاضت‪ -‬أي ًضا‪-‬‬
                                          ‫المبالغة للرغبة في ضمان‬
   157   158   159   160   161   162   163   164   165   166   167