Page 157 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 157
حول العالم 1 5 5
بيتين آخرين للشاعر الجاهلي إنه ضرب من ضروب الآلهة العدو َبكر إلى أن يقول:
«زهير بن أبي سلمى»(:)16 الطافحة بالإلهام الشعري، َأ ْله َى َبنِي َت ْغلِ ٍب َع ْن ُج ِّل َأ ْم ِر ِهم
وما الحرب إلا ما علمتم و ُذقتم والتي تفوح منها رائحة الدماء قصيد ٌة قالها َع ْم ُرو ب ُن
وما هو عنها بالحديث المُ َر َّج ِم المرعبة .ولا يدعي «المتنبي» َك ْل ُثو ِم()11
متى ت ْبعثوها تبعثوها ذميمة من الطبيعي في مجتمع يقرن
و َت ْض َر إذا ض َّر ْيتموها ف َت ْض َر ِم بمفرده فقط القدرة على الفرار عبقريته ب ُن ْب ِل لغته وشعره أن
ينتقل الشاعر بالظاهرة عبر من سلطان العدم والموت ،بل يكون فيه البطل المحارب «عبد
وساطة الاستعارة إلى نوع من هذا «عنترة بن شداد» يصرخ
التجسيم الذي يسمح بوصف الملك بن مروان» أقل قوة من
واقع عنيف؛ بحيث ُتق َّدم الحرب قبله قائ ًل:
بوصفها وح ًشا ضار ًيا ،غير فو ِد ْدت تقبيل ال َّس ُيوف لأنها الشاعر «الأخطل»؛ فلم يكن من
أنها وحش ولود ُيل َّقح في السنة ل َم َع ْت ك َبا ِرق ث ْغ ِرك المتب ِّسم()13
م ّرتين ويلد توأمين ،يملك أنيا ًبا َي ْب ُعد الشاعر كل البعد عن أن الممكن ،بل لا يمكن ،أن ُيعترف
طويلة ومخالب حادة .وهي يكون مازوشيًّا؛ فهو يصف للقائد الحربي والسياسي
تشبه الطاحونة؛ بحيث تنحصر انعكاس شخص ما لا يشكل
الواقع بالنسبة إليه إلا ظ ًّل بالبطولة كاملة إلا في حالة مدح
وظيفتها في سحق الرجال
وتدمير المحاصيل( .)17ولكن، للعالم الحق ،وحده الموت شاعر له؛ إذ هناك إجماع على
ُيفضي إلى هذا العالم ،خاصة قوة الفعل [بالمعنى ال َنّ ْحوي
هل يكفي هذا لكي ينبذها أن خلود الاسم مرتبط بمعرفة للكلمة].
الرجال؟ كيف يمكن أن نفسر وهكذاُ ،ي َؤ ِّمن المدح بالإضافة
إذن هذا البيت لزهير نفسه: صاحبه: إلى الذاكرة ،خلو ًدا للاسم
ولقد شفى نفسي وأبرأ ُسقمها
َو َمن لم َي ُذ ْد عن حوضه وذيوع صيته .ومن َثم تقترن
بسلاحه قيل الفوارس “و ْي َك عنتر
َأ ْق ِدم”()14 الق َيم بالبسالة؛ بحيث ُي َخ ُّص
ُي َه َّد ْم ومن لم َي ْظلِم الناس بالتفضيل القائد الذي يجمع
ُي ْظ َل ِم()18 وقد استمر هذا التقليد إلى
أيامنا هذه؛ إذ استعمل «جميل بين سلطة الكلام والقوة
هل تنتج الحرب عن وسط
عدواني ،أم أنها نتيجة لعقلية صدقي الزهاوي» و»علال السياسية .وليس من العبث
الفاسي» نفس المعجم الذي
ق َبلية؟ في شيء أننا مازلنا نستحضر
بعد الحرب العالمية الثانية، و َّظفه كل من «عمرو بن
تم َّخض عن نضال الدول كلثوم» و»المتنبي» و»أبو الخطبة البتراء لـ»زياد بن
العربية من أجل نيل استقلالها فراس الحمداني» في فترات
نمط جديد من الأبطال()19؛ زمنية مختلفة .وهكذا ،يقول أبيه» ،والخطبة المشهورة
ونقصد بذلك البطل المحرر أو «الزهاوي» ()1936 -1863
لـ»طارق بن زياد» قبل أن
البطل القومي: (:)15
سيعرفني قومي إذا جد ج ّدهم هي الحرب ُتعلي أُ َّمة فتزي ُدها يعبر المضيق لفتح (غزو)
كما عرفوني اليوم إ ْذ قمت نشا ًطا و َت ْش َقى أُ َّمة و ُت َؤ َّخر شبه الجزيرة الإيبيرية .وليس
أخطب()20 ولا ُح ْكم إلا للأ ِسنَّة وال َّظ ْبي
وللنَّار فهي اليوم تنهى وتأمر صدفة ،أي ًضا ،أن يفتخر
البيت السابق لـ”علال «المتنبي» بنفسه من خلال
الفاسي” ،ومن المهم أن نلاحظ ينتمي سلاحان من بين
الأسلحة الثلاثة التي عددها هذا التَّغنِّي بقدراته بوصفه محار ًبا
في هذه الحالة تحدي ًدا ركون وشاع ًرا في الآن نفسه:
الشاعر المعاصر إلى الماضي، سيعلم ال َج ْم ُع ممن ض َّم
وتحيل القصيدة ضمنيًّا إلى مجلِ ُسنا
به َق َد ُم وخايل َلُّريلمنوا َتل َب ْ ْيسدعاءى بأنني
تعرفني الخيل
وال َّسيف وال ُّر ْمح وال ِق ْرطاس
وال َق َل ُم()12
يو َصف ال َّشاعر ،إذن ،بالجبَّار.