Page 156 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 156
العـدد 31 154
يوليو ٢٠٢1 تعبير فقط عن إفلاس للقيم؟
وقبل كل شيء ،في امتداح أن يصبحوا “صو ًتا” للنظام أو ًل -أدب الحماسة
الخليفة باعتباره قائ ًدا عسكرياًّ الاجتماعي الجديد .و ُيمثِّل
“حسان بن ثابت” نموذ ًجا كان نبوغ شاعر ما في العصر
ودينيًّا وبط ًل لكل الأمة. يرسخ الشاعر في وظيفته الجاهلي حد ًثا مه ًّما ُتقام
ويصبح الشاعر بفضل خطابه له الأفراح ،و ُت َخلَّد عيون
بوصفه ناط ًقا باسم المجتمع قصائده بماء من ذهب،
[ ِشعره] “ َح َك ًما أساسيًّا في الجديد ،بل يعيد تحديد دور
المجتمعات الأرستقراطية الشاعر عبر جعله “بط ًل” لنوع و ُتعلق على جدران الكعبة .لقد
المحاربة” حسب “رفائيل (بلاغي) جديد؛ إنه محارب كان المجتمع الجاهلي واعيًا
لولوش”( .)9إن الحرب ،إذن، ُمد َّجج بالكلمات ،ومتسلح بالدور الأخلاقي -السياسي
هي ملحمة من إبداع الشاعر. بالإيمان لا بشيطان الشاعر .لم الذي يضطلع به الشاعر في
يكن من الممكن لحسان بن ثابت شبه الجزيرة العربية .زد
ثان ًيا -الحرب ملحمة الشعراء المعروف بجبنه أن يتخلص من على هذا أن المعلَّقات الخالدة
إكراه مزدوج ديني واجتماعي؛ عبر العصور ،التي نظمها
البسوس ،داحس والغبراء شعراء لا يزالون إلى اليوم
فبتمجيده لله ورسوله أصبح
وغيرهما أسماء لأيام عرب “شاعر الإسلام” ،ومن َث َّم أشهر من نار على َعلم،
فهو بالأحرى بطل للوغوس هي أفضل مرجع للحماسة
تمتزج فيها الخرافة بالتاريخ [الكلام /الخطاب] عوض أن المرادفة للفضيلة الإغريقية(.)5
يكون بط ًل للسيف. وحسب «نولدكه»( ، )6كان
(الخيال بالواقع) .ومن خلال س ُي َثبِّت الأمويون الشاعر في الشاعر المتربع على قمة الهرم
المجتمعي« :نب َّي قبيلته وزعيمها
صهيل الخيول ،وقعقعة وظيفته السياسية؛ و ُتب ِرز حالة في ال ّسلم وبطلها في الحرب»(.)7
الشاعر “الأخطل” ،الذي جعله كما أشار «حنا الفاخوري»
السيوف ،وصيحات المحاربين “عبد الملك بن مروان” ملاز ًما أي ًضا إلى أن الشاعر كان ُمق َّد ًما
على الخطيب ،ويفوق في مكانته
سيسطع نجم مجموعة من ل َبلاطه ،كيف يمكن للشاعر الرئيس الفعلي للقبيلة .لقد كان
أن يجعل من قضية ما قضية الشاعر ،من منطلق اعتباره
الشعراء متوه ًجا عاليًا بشكل ضامنًا للذاكرة ولشرف القبيلة
يفوق توهج نار ال َّسعير؛ شرعية ،وأن ُيبرر حر ًبا أو وص ْو ًنا لهماَ ،م ْد ُع ًّوا إلى إقامة
يدمر عد ًّوا مفتر ًضا .ومن خلال
فعندما يمدح الشاعر المحاربين، علاقات مع السلطة(.)8
امتداح الشاعر لمآثر الممدوح، ومع بزوغ فجر الإسلام،
إنما يفخر بذاته في الحقيقة؛ فهو إنما ُيق ُّر بمجده ويؤكد ُج ِّرد الشاعر من كل صفاته
صيته ويفرض قوته ،وبالتالي النبوئية ،لكنه احتفظ في المقابل
وهذا حال «عمرو بن كلثوم» ُيقلل من شأن خصومه .يكفي بأهميته الاجتماعية .ولئن تم
أحيا ًنا بيت شعري يتيم لتغييب استبدال معادلة (شاعر /نبي)
أثناء تغنيه بقبيلته؛ حيث حضور هؤلاء الخصوم من بـ(شاعر /غا ٍو) ،فإن مجال
الساحة وإخراجهم من دائرة الاستثناء ُت ِرك مفتو ًحا أمام
قال(:)10 بعض الشعراء الذين اختاروا
َمل ْأنا الب َّر حتى ضاق عنَّا الوجود.
و َظ ْه ُر البحر َن ْمل ُؤه َس ِفي َنا وهكذا ،أصبح الشعر ِس ِج ًل
لنا ال ُّد ْنيا ومن أ ْض َحى عل ْي َها
و َن ْب ِطش حين َن ْب ِط ُش قا ِد ِري َنا متج ِّو ًل يستند إلى حافظة
االل ِف َجطَباا َمِب ُرلناسا َ ِصجبِِد ٌّييَنا إذا َب َل َغ الرجال قصد بلوغ أقصى
َت ِخ ُّر له حدود الإمبراطورية العربية
وتواض ًعا من الشاعر ،فهو الإسلامية .وهو ُي َو َّظف ،أو ًل
يدمج نفسه في الـ»نحن»
الجمعي؛ وذلك بالنظر إلى
اشتهاره -بفضل معلقته -بأنه
البطل الفعلي لقبيلة ستحفظ
عن ظهر قلب قصائد شاعرها.
وهذا ما دفع شاع ًرا من القبيلة