Page 267 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 267

‫يتساءل الشاعر تار ًة بشك ٍل‬                                                   ‫في خاتمة رحلته الغاضبة‪ ،‬يصل‬
‫صريح وتارة عن طريق السخرية‬                                                         ‫البطل للموت‪ ،‬ليكتشف ويقرر‬

  ‫السوداء‪ ،‬عن صحة الروايات‬                                                       ‫أن هذه الحقيقة الوحيدة‪ ،‬الثابتة‬
‫المحكية‪ ،‬عن يقينياتنا وعن دور‬                                                     ‫والراسخة كما ثبَّتوا في ذاكرتنا‪،‬‬
 ‫الوكلاء في صياغة وعينا العام‬
                                                                                    ‫ليست بهذه القوة والجبروت‪،‬‬
  ‫المسيطر‪ ،‬وعن أدوار وسطاء‬                                                          ‫أو لا ينبغي لها أن تكون‪ ،‬فلا‬
 ‫السوء المقدسين‪ ،‬في تعرية‬                                                        ‫تستحق بالتالي الهالة التي تحطم‬
  ‫إنسانيتنا التي كانت بيضاء‬                                                          ‫حياتنا بها بالتردد والخوف‬
‫وصافية‪" :‬ما جدوى الوطن؟‪ /‬أنا‬                                                     ‫واليأس‪ ،‬إنها قيمة وهمية‪ ،‬زائفة‬
                                                                                ‫ومصنوعة من لدن ال َق َدر ورجاله‬
           ‫بالكاد أتذكر"‬                                                          ‫ووكلاؤه‪ ،‬بغرض السيطرة على‬

 ‫التاريخية‪ ..‬في حالة أخرى‪ ،‬وهي‬                                 ‫ص‪.)95‬‬                  ‫قدراتنا وانطلاقنا في دروب‬
    ‫حالة الثورة التي ُت َولِّد غضبًا‬         ‫في ديوانيه‪ ،‬يقدم الشاعر لغة‬            ‫الحياة‪ ،‬وبالتالي لا تستحق إلا‬
      ‫عار ًما وم َّوا ًرا‪ ،‬يظل يرتعش‬    ‫تتسم في بعض الجمل والصياغات‬                ‫التجاهل والتهكم‪« :‬الموت لي َس‬
         ‫و ُي ْس ِقط حم ًما بلا نهاية‪.‬‬    ‫بالمكر‪ ،‬الحاصل من جراء ألعاب‬            ‫بشي ْء‪ /‬المو ُت‪ /‬ليس‪ /‬بشي ٍء‪/‬‬
   ‫تبدو هذه الكتابة وكأنها تدعو‬         ‫التقديم والتأخير‪ ،‬وتكوين الصور‬             ‫ُي ْذ َكر» (شوكولا‪ :‬ص‪« ،)97‬في‬
                                         ‫عن طريق نحت مجازات جارحة‬                ‫كل مرة أنتظر الموت‪ ،‬ولا يأتي‪/‬‬
‫الذات الشاعرة لتناول سكي ٍن حا ٍد‬           ‫حينًا وحينًا شفيفة‪ ،‬ليتحصل‬            ‫أسأل ُه‪ :‬ألا أستحق دخول النار‪/‬‬
                                            ‫القارئ على الدهشة من جراء‬
   ‫وضخم لذبح كل ما هو زائف‬               ‫عدم توقعه الدائم لخطوة الشاعر‬                      ‫منفر ًدا وأقل خيبة؟»‪.‬‬
                                        ‫البلاغية القادمة‪ ،‬كما يقدم الشاعر‬          ‫إن الكشف والوصول للمعاني‬
 ‫وضاغط على الحياة بكل ما أوتي‬               ‫في جمل شعرية أخرى‪ ،‬ألفا ًظا‬           ‫المخبأة وسط الزحام والضجيج‬
‫من قو ٍة يخلقها الغضب المجنون‪..‬‬               ‫وتراكيب أكثر حدة وتركيبًا‬            ‫والزيف والأوهام‪ ،‬لا يظهر إلا‬
                                        ‫بلاغيًّا‪ ،‬لتعبر عن حالة ال َس َأم التي‬   ‫عنده هو‪ ،‬هذا الرائي الذي امتلك‬
  ‫تعبر القصائد عن ثقافة واسعة‬              ‫َت ْع ُبر بالذات الشاعرة من ج َّراء‬
                                        ‫الأغلب الأعم من ممارسات الحياة‬                ‫القدرة على تحطيم السطوح‬
    ‫تنجح في أن تنجو من الوقوع‬               ‫والبشر‪ ،‬وكأنما تمثل الكتابة‪،‬‬         ‫لصالح الوصول للقلب الحقيقي‪،‬‬
                                         ‫تمهي ًدا غاضبًا يصل لذروة القوة‬
  ‫في فخ التثاقف ومجانيته وتنهل‬              ‫ثم يهبط ونحن معه بالتدريج‪،‬‬              ‫في رؤيته ورؤياه هو بالذات‪،‬‬
                                                                                    ‫وليس فيما هو معلن ومنتشر‬
 ‫الكتابة من عدد كبير من أساطير‬                 ‫لينضوي الحال تحت حالة‬            ‫ومشهور‪« :‬أكتش ُف اليقي َن بع ْين ْين‬
                                            ‫السكونية التي تحل فلا يكون‬              ‫مغمضتين» (شيطان‪ :‬ص‪،)8‬‬
 ‫وحكايات الشرق الأوسط‪ ،‬وتعيد‬             ‫هنالك ُب ٌد من الوحدة المختارة‪ ،‬أو‬
                                          ‫قل المفروضة‪ ،‬وبالتالي الانعزال‬              ‫حيث تتشكل أناه وكينونته‬
   ‫تشكيل العالم وفق منظور ذاتي‬          ‫ومن َث َّم التفكير في الانتحار مث ًل‪،‬‬   ‫باعتبارها هي المعيار وهي الصدق‬
                                             ‫والانسحاب التام من المهزلة‬
     ‫يحفل بالعالم وبالحب‪ ،‬ولكنه‬                                                       ‫مجس ًدا‪« :‬وحدي من يعرف‬
                                                                                   ‫السر» (شوكولا‪ :‬ص‪ ،)123‬أو‬
‫حزي ٌن وغاض ٌب‪ ،‬فيتحرك بحرية في‬
‫الزمان والمكان ليصل في النهاية إلى‬                                                   ‫بالأحرى هي الحقيقة ال ُغفل‪،‬‬
                                                                                  ‫الصافية والنقية‪ ،‬من غير ري ٍش‬
‫اليأس وتفضيل العدم مر ًة‪ ،‬والقوة‬                                                ‫مصبو ٍغ بأيدي الكثيرين على مدى‬
  ‫الخالقة وإعادة الرسم من جديد‪،‬‬                                                   ‫الأحقاب‪« :‬اكت َم ْل ُت ف َّي ولا أحد‪/‬‬
                                                                                 ‫لم ألد‪ /‬لم أولد‪ /‬أنا من نفسي‪/‬‬
                 ‫في مرا ٍت أخرى‬
                                                                                     ‫لنفسي‪ /‬بنفسي» (شيطان‪:‬‬
   262   263   264   265   266   267   268   269   270   271   272