Page 92 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 92

‫العـدد ‪31‬‬                           ‫‪90‬‬

                                                               ‫يوليو ‪٢٠٢1‬‬

‫عبد الحميد البسيوني‬

‫فات الميعاد‬

   ‫ويسقط منها الندى‪ ،‬سار كثي ًرا حتى وجد أمامه‬          ‫لم تكن تخيفه السيارات المسرعة فوق أسفلت‬
 ‫يافطة زرقاء عريضة يخترقها سهم أبيض مكتوب‬            ‫الطريق السريع الذي ربما يمشي فيه لأول مرة‪،‬‬
                                                     ‫ولا قرص الشمس الذي بدأ يبصبص ناحيته لأن‬
     ‫إلى جانبه بخط واضح‪( :‬إلى مدينة أجا)‪ ،‬فأخذ‬       ‫الجو لم يكن صي ًفا بعد‪ ،‬كان وهو يعدو بخطوات‬
    ‫يمينه وأخذ يهدئ من مشيته‪ ،‬شعر بجوع حاد‬         ‫سريعة نحو هدفه‪ ،‬كل ما كان يخشاه هو ألا تكفى‬
    ‫وألم في ساقية وبطنه‪ ،‬فوجئ بفيللا فخمة على‬      ‫الخمسة قروش التي كونها بصعوبة خلال الشهور‬
‫يساره في مواجهة الترعة‪ ،‬فيللا أنيقة محاطة بسور‬
  ‫من الطوب الأحمر الداكن‪ ،‬تحيطها حديقة مربعة‬           ‫الفائتة ثمن الشبشب الذي يحلم ان تلبسه أمه‬
   ‫تشع بالورود الحمراء الزاهية‪ ،‬بعدها سار أمام‬        ‫بد ًل من تجوالها حافية شوارع وحواراي قريته‬
   ‫المستشفى الأميري ومقهى كبير يشغل كراسيه‬         ‫والقرى المجاورة‪ ،‬وهي تحمل مشنة الجميز مصدر‬
   ‫عدد من الفلاحين‪ ،‬ثم المركز‪ ،‬المبنى المهيب الذي‬  ‫رزقهم الوحيد بعد موت الوالد‪ ،‬يضع يده في سيالة‬
  ‫يضم المأمور وضباط وعساكر الأمن‪ ،‬بعده بقليل‬
                                                        ‫جلبابه ويتحسس الورقة أم خمسة قروش في‬
      ‫هجمت عليه الرائحة‪ ،‬تخللت خياشيمه رائحة‬          ‫بشر‪ ،‬كان يقبض على حلمه‪ ،‬يتمنى أن يعثر على‬
 ‫الطعمية ورجل عجوز أمامه فاترينة زجاجية يقلِّب‬       ‫دكان يبيع الشباشب في المدينة‪ ،‬المركز الذي يبعد‬
 ‫أقراصها الصغيرة في طاسة الزيت‪ ،‬قرصه الجوع‬           ‫عن قريته عشرة كيلو مترات‪ ،‬قرر أن يذهب إليه‬
 ‫فلم يتمكن من الصمود‪ ،‬وبدون تفكير تخ َّطي الشا‬        ‫مشيًا على قدميه حتى يوفر ثمن الركوب‪ ،‬خرج‬
                                                    ‫مبك ًرا منذ الصباح‪ ،‬أخذ جانب الترعة الكبيرة التي‬
                             ‫رع وأخرج الورقة‪:‬‬        ‫يسمونها المنصورية‪ ،‬وأخذ يج ُّد في السير‪ ،‬طوي ًل‬
                           ‫‪ -‬هات بقرش يا عم‪.‬‬         ‫كان الطريق‪ ،‬السيارات تمرق مسرعة إلى يساره‬
 ‫أخذ الرجل الورقة أم خمسة قروش وأعطاه أربعة‬           ‫ُت ْح ِد ُث وشي ًشا مثل عفاريت تبزغ له في الظلمة‪،‬‬
   ‫قروش فضية باهتة‪ ،‬وضعها في سيالته بعد أن‬            ‫الأشجار عن يمينه عالية وكثيفة يطوحها الهواء‬
 ‫وضع له الرجل عدة أقراص طعمية ساخنة يخرج‬
   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97