Page 96 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 96
العـدد 31 94
يوليو ٢٠٢1
مي عطاف
(سور َّية)
عدوى النوافذ
لمجنون ألا يجيد الرقص والغناء! ها أنا في الثالثة والثلاثين من عمري ،ولم
ربما كنت فتاة مزاجية لكن أمي تراني فتاة صعبة أعرف الحب يو ًما كما وصفته الأساطير والكتب
والشعراء ،حتى قلت في نفسي إنهم أوغاد كذابون
وتقول :الله يعين اللي بدو ياخدك. لأني عشت الحب ولم أقارب ما وصفوه من الهوى
فيرد أبي :مين هالآدمي اللي بدو يعلق؟ والصبابة والعشق والهيام والنجوى ،لا بل كنت
والدي يعمل موظ ًفا واعتاد روتينًا يوميًّا تحسبه أشعر أني أنجو بنفسي حين أدير ظهري .كان حبًّا
آلة ،وفي يوم عطلته يلتزم كل منا في غرفته لأنه ما عائ ًما يميل بي للحب ميلا ًنا خفي ًفا دون الوقوع به.
أن يلمح أحدنا حتى يناوله وجبة كلام ساخر يطال مرة أحبب ُت شاع ًرا وقلت سيحل اسمي محل ليلى
ويسمونه بمخبول سارة ،لقب خفيف لطيف ..لا
تربية أمي ويطالنا. أنا حللت مكان ليلى ولا هو انخبل ،وبقي شاع ًرا
عمله في البيت تعكير المزاج وكسر القلب ..لا يرى
عاق ًل ،ألهم ُته إحدى وعشرين قصيدة لم يذكر
في أولاده إيجابية واحدة ..دائم اللذع والقهر. اسمي بقصيدة واحدة ،ولا حتى بالشعر الهايكو
كانت أمي تتجنب مشاكله بتنفيذ أوامره دون المكثف كالنستلة الذي لشدة حلاوته تضطر لتشرب
اعتراض ودون ارتجال منها ..تنفذ طلباته عل حجم
قصيدة ماء نثرية ،واحت َّج أني أ َّولت قصائده،
الطلب لا زيادة ولا نقصا ًنا. وأقسم أني لم أفهم من قصائده شيئًا فكيف
كأن تضع له الفطور قبلنا ،يأكل لوحده مذ كنا
صغا ًرا ،فتحبسنا بالغرفة لحين تسمع حنفية الماء أُ َأ ِّو ُلها؟!
وصوت بزاقه العالي مسبو ًقا بحشرجته ..ثم تفتح وما بقي من ذكراه هو معرفتي لأنواع الشعر (كتر
لنا الغرفة لنجلس على بقايا طعام تجدده أمي خيرو).
بمسح أطراف الصحن بإصبعها ،ثم تدخل إصبعها وأحبب ًت مغتر ًبا يعيش الحياة طو ًل وعر ًضا وحبّة
بفم من يكون بجانبها ،ليبدو منظر الطعام في زيادة ،ولأني سألته ذات صباح :هل شربت
الصحن مقبو ًل. قهوتك؟ وقد نسيت أنه اليوم الأول من رمضان،
تأوه ،فاعتقدته تحت خط الإثارة ،لكن التأوه جاء
كان وال ًدا دون أبوة ،وأعتقد أنه لو سئل يو ًما بأ ّي
ص ّف أبناؤك لما عرف الإجابة ..لكنه لم يتوان يو ًما استنكا ًرا على سؤالي له وهو ال ّصائم التّقي.
أحبب ُت مجنو ًنا هكذا يقول عن نفسه واندفعت
عن قوله :بقطع يميني اذا تفلحوا بالدراسة. إليه ،وقلت هو ذا الشخص الذي سيقرأني بدقة،
أخي البكر تزوج باك ًرا ولحقه أخي بعد سنة حين لكن جنونه لم يكن حقيقيًّا ،بل طوع خالف تعرف،
زادت مطالب والدي وح َّمله بعض مصروف وأعباء وليست طب ًعا ،ثم وجدت جنونه انفصا ًما ..كيف
البيت.
بقيت مع والد َّي ..أمي تشكو لي والدي وتشكو