Page 98 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 98
العـدد 31 96
يوليو ٢٠٢1
بلوكات ملونة ولكنها ممتلئة بالكتب ..بدأت حياتهم
أمامي كما لو أني أتابع مسلس ًل واقعيًّا.
كنت أختلس النظر لهم من شباك المطبخ .ومن
بلكونة الصالون ،البلكونة التي يحتلها والدي
وتتحاشى أمي الجلوس معه لأنه يتحدث بصوت
يسمعه الجيران فتخجل ،لذا كانت تتحجج بشغل
البيت ..تلك البلكون كنت قد نسيتها أنا.
ما كان ملفتًا وغريبًا في الحارة التي رجالها
ونساءها لا يحيدون عن صورة سلفية للرجولة
والنسونة؛ أن يخرج الجار الجديد وينشر الغسيل
وزوجته تتكئ على الباب يتحدثان.
يومها ضحك أبي بصوت عا ٍل وقال :أم لؤي ،أم
لؤي.
أم لؤي اللقب الذي اعتقدته اسم أمي ،وحين كانوا
يسألونني ما اسم أمك اقول :أم لؤي.
ولست وحدي في ذلك ،قلة هم الصغار الذين
يسمعون اسم أمهم أو والدهم كنداء ..ربما كان
المناداة باللقب هو أكثر وز ًنا للاحتماء بالعائلة
أو الفخر بالقدرة على إنجاب ولد ،مع أن سائر
الحيوانات تنجب ولا تفتخر ،أو نكران للذات بعد
إنجاب الأبناء.
ناداها :أم لؤي تعي ..تعي شوفي هالمنظر ..آخر
زمن.
ركضت أمي ومدت رأسها فقط ،لترى جارنا الجديد
يضحك وزوجته ،وهو ينفض الغسيل ..كأنه معتاد
على النشر.
قالت وكعادتها لتبدو حسنة النية والتبرير :قد
تكون زوجته مريضة.
يرد والدي :انظري لها تس ُّد الباب ،كيف لها أن
تكون مريضة؟
كنت أسمعهما من شباك المطبخ المجاور للبلكون.
صباح اليوم التالي كان في المطبخ يصنع القهوة
وزوجته تسقي الورد ،وقفت وراء ستارة المطبخ
أراقبهما وهما يجلسان م ًعا ويشربان القهوة،
ويبدو أنهما منهمكان بحديث ما ..يدخل ثم يخرج
وبيده كتاب ،يناولها الكتاب مفتو ًحا ..تضع نظارتها
وتقرأ.
كان سلوكهما سا ًّرا على أبنائهم أي ًضا ،فكان الولد
ينحني فوق أمه الجالسة ويقبلها أو يقبل والده..