Page 101 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 101

‫‪99‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

   ‫وبقي والدي منعز ًل في عرزال بناه في كرم بعيد‬                    ‫حبيت أقعد معك بابا ولا ما بيصير؟‬
 ‫أربعين يو ًما‪ ،‬ثم عاد لبيت أهله‪ ،‬حلق ذقنه‪ ،‬و َّض َب‬                        ‫رد‪ :‬بيصير‪ ..‬عمليلنا قهوة‪.‬‬
‫حقيبته و ّدع أهله‪ ،‬غاب عامين ورجع بسيارة يرتاح‬
                                                       ‫تأكد ُت لحظتها أن تغي ًرا أصاب كيانه‪ ،‬كأن والدي‬
     ‫فيها الحب‪ ،‬وطلب يد صباح أي والدتي فوافق‬          ‫قد استبدل حتى حنجرته‪ ،‬بدت رطبة سلسة‪ ،‬وكان‬
                                         ‫أهلها‪.‬‬
                                                        ‫مثلي يحتاج لرفيق يجالسه في البلكون لأنه يعتقد‬
    ‫قضيت عمري الثلاثة والثلاثين وأنا لا أعلم أن‬               ‫مثلي أي ًضا أن نواياه على وشك أن ُتفضح‪.‬‬
    ‫لوجه أبي تقاسيم أخرى‪ ،‬فقد اعتدت على أربعة‬
   ‫تعابير واضحة‪ ..‬السخرية‪ ..‬الغضب‪ ..‬الابتسامة‬          ‫وسعيت بعد أن صنعت القهوة وجلست أمي التي‬
                                                          ‫ُي َل ِّوح الكلام من فمها كما َتلُوح ابتسامة عارفة‬
       ‫الهازئة والشرود‪ ،‬لذا حين ابتس َم نظرت له‬
    ‫باندهاش طفلة بسيطة رأت حد ًثا عجيبًا وكدت‬           ‫من طرف عينيها‪ ..‬سعيت أن أتلمس سبب ما آل‬
    ‫أصرخ أن لأبي أجمل وجه بالعالم حين يبتسم‪،‬‬           ‫إليه أبي فرمي ُت سؤا ًل مبطنًا‪ :‬جارتنا تشبه ممثلة‪،‬‬

         ‫صمته الذي يركن في بقعة لم تعد خامدة‪.‬‬                                          ‫نسيت اسمها؟‬
 ‫لا أتذكر أني عشت سعادة مع أهلي كهذه‪ ،‬وفكرت‪:‬‬             ‫ينظر أبي للجارة بعيون لامعة ثم يختلس نظرة‬
                                                       ‫سريعة لأمي التي تصيد نظرته فتسأله‪ :‬ألا تشبه‬
       ‫ليت أخوتي معنا ليروا وجه أبي‪ ..‬ما أجمله‪.‬‬
 ‫لماذا كان والدي فقي ًرا وبخي ًل علينا بوجهه المبتسم‬                                         ‫سلوى؟‬
                                                          ‫لم أسمع قب ًل بهذا الاسم لذا قلت‪ :‬من سلوى؟‬
            ‫الذي لو كان مبتس ًما لاختلفت أقدارنا‪.‬‬      ‫وضعت أمي يدها على ركبة والدي وقالت بصوت‬
      ‫لم أتخيل يو ًما أن شملنا سيلت ّم ونتعرف على‬       ‫يرن بالعتب الم ّطرز‪ :‬سلوى صديقتي أيام الصغر‬
‫بعضنا‪ ،‬لكنني شعرت بالامتنان للعائلة التي سكنت‬
                                                                                   ‫وكان أبو ِك يحبها‪.‬‬
                  ‫حيِّنا وللرجل الذي سكن قلبي‪.‬‬           ‫وكأني وقعت على سير ٍة كنز‪ ،‬ورغب ُت بالضحك‬
 ‫كانت أمي تبتسم وتنظر لأبي الذي نهض بصحبة‬                ‫لكني ترددت‪ ،‬فلا علم لي بردة فعل والدي الذي‬
‫تقسيم آخر لوجهه هو الخجل وقال‪ :‬كنّا صغار‪ .‬ثم‬             ‫تب ّدل‪ ،‬لكني تجرأت على السؤال‪ :‬صديقتك وكان‬

                                 ‫دخل الصالون‪.‬‬                                          ‫والدي يحبها؟‬
       ‫سأل ُت أمي على عجل‪ :‬ماما وأنت ما حبيتي؟‬           ‫ألصقت عيناها بوالدي‪ :‬بتشبه سلوى بس بعمر‬

          ‫كان ردها عارف وقطعي‪ :‬أحببت والدك‪.‬‬                                                   ‫كبير؟!‬
      ‫أجبت‪ :‬حسب جدتي الحب يأتي بعد الزواج؟‬                  ‫وتابعت‪ :‬كنا جيران وصديقتان منذ الطفولة‬
   ‫قاطعتني‪ :‬أحببت والدك مذ رأيته في المرة الأولى‪،‬‬       ‫والجميع يعلم بمدى القرب بين سلوى وصباح‪..‬‬
  ‫لكن سلوى صديقتي وقد أخبرتني سرها فكتمت‬              ‫حتى جاء والدك من القرية المجاورة يركب دراجته‬

                                         ‫سري‪.‬‬                             ‫النارية‪ ..‬رأى سلوى فأحبها‪.‬‬
        ‫قلت‪ :‬وكيف قبل ِت به وهو يح ّب صديقتك؟‬          ‫يمسك الصمت بيد والدي ويأخذه إلى سلوى التي‬
  ‫ردت‪ :‬كنت أريده قربي فقط‪ ،‬سفره أتعبني وحين‬             ‫عشقها وهو في السادسة عشر وراح حبّه يسبقه‬
‫جاء خاطبًا فرحت‪ ،‬وشعرت أني انتصرت لا أعرف‬
                                                         ‫بالنمو‪ ،‬حين صار والدي في العشرين كان حبّه‬
            ‫على من‪ ،‬ولا من كان الخاسر بقصتنا‪.‬‬           ‫تجاوز الألف بعمر الهوى‪ ،‬وهكذا عرف قصتهما‬
                  ‫قلت‪ :‬والآن ما زلت تحبين أبي؟‬
                                                                                      ‫القريب والبعيد‪.‬‬
        ‫ضحكت‪ :‬لا أعرف‪ ..‬كبرنا ع هيك قصص‪.‬‬              ‫لكن كان لأهلها رأي آخر‪ ،‬أن الحب الذي يأتي على‬
  ‫الآن عرفت سر تغير والدي‪ ..‬بقايا الحب الذي لم‬         ‫دراجة نارية تعبان ستصيبه العواصف والأمطار‬
 ‫يخمد‪ ..‬أشعل ناره َش َب ُه جارتنا لسلوى‪ ،‬فاستكان‬       ‫والرياح والغبار‪ ،‬أما الحب الذي يأتي في السيارة‬
                                                        ‫فهو أكثر أما ًنا ونظافة‪ .‬لذا ركبت سلوى ال ّسيارة‬
     ‫والدي في بقعة الحب داخله والتي غادرها يوم‬         ‫غصبًا مع الح ّب المرتاح‪ ،‬ثم صعدت طائرة وقالوا‬
          ‫ُر ِفض وكانت سببًا في حجوده العاطفي‪.‬‬
                                                                ‫لها إن الحب سيصل بها للثريا وطارت‪.‬‬
    ‫وأما الجار الذي كان يفيض حبًّا لزوجته فتب ّث‬
   96   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106