Page 100 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 100
العـدد 31 98
يوليو ٢٠٢1
عرفت أي ًضا أنه يكنى أبو بحر ،وأن زوجته أكبر تربكني مشاهد الحب العلنيُ ،تغير مزاجي لحزن
منه بخمس سنوات ..ثم توقفت الجارة عن الكلام وشهوة وغيرة ،ويفور قلبي كفورة قهوتي ..أتقصد
حين التفتت لي بإشارة من صاحب المحل. فتح النافذة بضجة متعمدة علّه يلتفت إل َّي ..مذ
حين خروجي تملكتني سعادة لأن تخميني سكن في حينا تحول ُت لزهرة عباد وهو شمسها،
بتميزه في محله ..فمن يسمي ابنه بح ًرا سيكون وبدأت أتعلق بالرجل الذي أيقظ كائنًا عجيبًا وقاد ًرا
محي ًطا .والأمر الآخر أن زوجته دخلت في يوبيلها
الخمسيني ،أي أن أحد شروط الخيانة بات جاه ًزا وعظي ًما ..هو الحب.
وحلا ًل .وتساءلت مرا ًرا :هل يكتفي ح ًّقا بامرأة كان الوحيد بين رجال الحي يسقي زرعه ويشطف
واحدة؟ وكنت لأفرح لو سمعت أنه يخونها ،أو أنه
البلكون ويقرأ كثي ًرا واض ًعا نظاراته غار ًقا في
أبو عيون زايغة ،لكان صيده سه ًل. كتبه ،ويبدو أن عدوى القراءة عندهم سارية ،قبل
شغلني ما عليَّ فعله لأصبح تحت نظره ..ليراني
كما أراه ،كان مكت ٍف بأنثاه ،فلم يأ ِت بفعل واحد خروجه من البيت كان يرتب أورا ًقا كتبها لي ًل
ويضعها في حقيبة جلد عسلية.
يدل على أني صرت في مرماه .ولأني اعتبرت
القراءة فع ًل جاذ ًبا رحت أفتح الكتاب دون قراءة، أتابعه من وراء ستار المطبخ وأخرج للبلكون لأراه
لكن خطر ببالي ماذا لو التقيته وسألني؟ لذا رحت وهو يغادر الحي ،عندها كنت أتعمد نشر أي قطعة
أقرأ الكتب لأفهمها ،وقد قرأت خلال الشهور الثلاثة
ثياب ناشفة ،فقط لتتبعه عيناي.
أكثر مما قرأت لسنوات. ومرات أضط ُّر للجلوس مع والدي الذي ضبطته
الجملة التي رمتها أمي استوقفتني :كأ َّن بيتنا صار مرا ًرا يختلس النظر لبيتهم ،ومثلي يتابع الرجل وهو
يغادر البناية ،فيعدل جلسته للأمام لتصبح زوجة
أهدأ.
قلت :لأن أبي صار أكثر هدو ًءا وأقل كلا ًما لاذ ًعا. جارنا تحت مرمى نظره.
أضع كرسيًّا كي يبعد والدي الشك وأجلس معه،
نظرت لي :ليس أباك فقط. وأعصف ذهني لإيجاد لغة بيننا ،فأستعين بسؤال
كان لدى أمي كل الحق ،كأن البيت يعيش استراحة،
لا يهمني جوابه.
أو كأنه لمرة أولى يبدو بحلة مختلفة ..شيء ما اخ ُت ِصر ْت نافذة الحياة لد َّي بشباك مطبخ وبلكون
يبرعم بالبيت ،إنه تواصلنا.
كان يحتله والدي وأفرج عنه لتواطؤ مبطن ج ًّدا
في صباح يوم الجمعة؛ ولأني حفظت عن ظهر لكلينا.
قل ٍب ورغبة يومهم الذي يفتتحونه بالقبل وهي
تغلي القهوة ،ثم يتبعهم الأبناء فيجلسون جمي ًعا، لكني سألت :ما السبب الذي دفع والدي لهدوء لم
يتحدثون ويضحكون ،وربما يغضب أحد الأبناء نعتده ،ماالذي جعله يغادر منطقة الاستفزاز ويركن
فينسحب فيتبعه الأب وأحيا ًنا ترافقه الأم ..ثم داخل بقعة من نفسه هادئة صافية ،لم أتخيل يو ًما
ينهض جاري أبو بحر ليقوم بطقس يوم الجمعة
عندهم ،فيجهز الفتّة ،وأكاد أسمع طشة السمن وجود بركة صفاء لديه.
على وجهها ..وتقوم جارتنا بفتح النوافذ وإخراج سمعت في الحي أطراف حديث عن جيراننا ،ولكن
الشراشف واللحف لتتدلى من الشبابيك. لم يكن بالكثير ،ليس لعدم ثرثرة أهل الحي ،بل
في الصباح سبقت والدي إلى البلكون ،جلست لأنهم يكرهون حضوري ومزاجيتي التي يرون بها
بيدي كتاب ورفعته قلي ًل ..لم يخ ُل وجه والدي من تعا ٍل عليهم ..ربما كانوا على حق ،فأنا لا أختلط بهم
الدهشة حين رآني أتربع على عرش مكانه ..لكن
صوته خرج ودو ًدا فقال :يا فتاح يا عليم ..مالذي لأني أراهم كتل جوفاء.
لكني استطعت سماع موجات كلام وأنا واقفة أمام
أيقظك باك ًرا؟
حاولت أن يكون ردي على مقاس وداده ،فقلت: باب المحل الذي يميل صاحبه للثرثرة ..سمعت
السخرية التي تطال الجار ،وأن زوجته تافهة لأنها
تسمح لزوجها أن يحضنها أمام الأولاد والناس،
وتسمح له بمسك يدها روا ًحا ومجيئًا ..وهو أي ًضا
خروق لا يتمتع بصفات الرجولة.