Page 97 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 97

‫‪95‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

  ‫معي‪ ،‬ولأنه ‪-‬واق ًعا‪ -‬كان بلاطة ثقيلة في الحب و‬            ‫مني‪ ..‬أبي يشكو من كل شيء‪ ،‬وأنا أشكو من‬
   ‫جاه ًل غبيًّا‪ ..‬مارست طقوس الحب التي أتمناها‬                                                ‫كليهما‪.‬‬

      ‫معه‪ ،‬وما أن قارب ُت نشوتي حتى جاء صوت‬             ‫لتفادي لقائي معهما‪ ..‬التزمت خطة تقضي بالقيام‬
  ‫أمي التي سمعت صوت الماء فسألت‪ :‬سارة‪ ..‬إنت‬              ‫بأعمال البيت مبك ًرا وتحضير لوازم الطبخة وعلى‬

                                       ‫بالحمام؟‬                                             ‫أمي الطهو‪.‬‬
      ‫لقد قلصت نشوتي‪ ،‬ومن شدة غضبي قفزت‬                      ‫هذا لم يمنعه من رمي الكلام كأن يقول‪ :‬شو‬

                         ‫كالمجنونة وكدت أسقط‪.‬‬                   ‫الآنسة عاملة البيت أوتيل وحاجزة غرفة؟‬
    ‫لكن ما جرى بعدها أ ّن فكر ًة دخلت رأسي كماء‬          ‫وأما أمي التي تدخل دون أن تطرق الباب وتراني‬
  ‫منسكب‪ ،‬أن أمي تسأل لتقول لنا أنا معكم‪ ..‬أفني‬
    ‫عمري لأجلكم انتبهوا لي‪ ..‬كما لو أنه استعاضة‬              ‫أضع المكياج الذي أحب التسلية به‪ ،‬فتسألني‬
‫عن صرخة ملغومة على شكل أسئلة غبية‪ ..‬وعرفت‬               ‫السؤال الذي يجعلني أكمل وضع مكياجي لأتحول‬
‫حينئذ حاجة أمي لنا‪ ،‬فرح ُت استوعب اسئلتها وأرد‬
     ‫برضى مصحوبة بجملة كتومة «أستغفر الله»‪.‬‬                                                     ‫لمهرج‪.‬‬
   ‫مضت سنوات خمس مذ قطعت علاقتي الأخيرة‬                        ‫كأن تسألني‪ :‬شو سارة عم تحطي مكياج؟‬
    ‫بالمجنون الذي قال لي سنتزوج قريبًا‪ ..‬ولكنه لا‬         ‫فآخذ نف ًسا عمي ًقا وأر ّد بهدوء مصطنع‪ :‬إي ماما‬

       ‫يغني‪ ،‬ومن لا يغني لا يعرف الحب فتركته‪.‬‬                    ‫شو شايفة؟ وأكمل‪ :‬بدك مني شي ماما؟‬
 ‫راحت الأيام تمر كما لو أنها تخرج من آلة طابعة‪،‬‬        ‫تقول وهي تجلس على طرف السرير‪ :‬لا شيء ماما‪.‬‬

      ‫نسخ حرفية‪ ..‬والدي وبزاقه وتعليقاته‪ ..‬أمي‬                           ‫وتصمت مطأطئة رأسها كخيبة‪.‬‬
     ‫وأسئلتها الغبية‪ ..‬زيارة أخوتي بيوم السبت‪..‬‬        ‫الساعة التي أضع لها المكياج لم يكن لتمضية الوقت‬
  ‫صديقاتي‪ ..‬شغل البيت‪ ..‬قراءات متناثرة واحلام‬
       ‫مكررة‪ ..‬تختلف الوجوه والأجساد بها فقط‪.‬‬            ‫في أغلبه بل كان وقتا يخص حلم يقظة بدأ بلحظة‬
     ‫كل ذلك بقي على حاله حتى سكنت عائلة قبال‬                                 ‫ما ولم أستطع الإفلات منه‪.‬‬
     ‫بنايتنا في الطابق الثالث‪ ،‬عائلة مكونة من رجل‬
     ‫وامرأة وولد بالخامسة عشرة‪ ،‬وابنة في الثالثة‬              ‫كذلك لم ين ُج وقت الاستحمام‪ ،‬الوقت الأكثر‬
                                                        ‫خصوصية وقت العري المباح‪ ،‬فمن شدة ما أُلبِ ْسنا‬
                                ‫عشر من عمرها‪.‬‬           ‫قما ًشا وتحري ًما صارت أجسادنا العارية تثير فينا‬
    ‫بيتنا في الطابق الرابع‪ ،‬كان موق ًعا جي ًدا للرصد‬
 ‫والمراقبة‪ ..‬عائلة جديدة لع ّل ناسخة الأيام تش ُّذ في‬     ‫رغبات نقفل عليها في النور ونبكيها في العتمة أو‬
                                                                                             ‫نمارسها‪.‬‬
       ‫صورها ولو لبعض الوقت علّها تكسر الملل‪.‬‬
‫كان الرجل طويل القامة بجسد رياضي في الأربعين‬              ‫كنت أمعن النظر لجسدي‪ ،‬جسد ممشوق حنطي‬
                                                          ‫كحبة قمح تنتظر من يطحنها ويعجنها ويخبزها‬
     ‫من العمر‪ ،‬يعقد شعره الطويل كذيل فرس على‬
‫ظهره‪ ،‬وقد زينته بعض خصل فضية اللون‪ ..‬امرأته‬                                          ‫فيأكلها أك ًل شهيًّا‪.‬‬
‫طويلة وعريضة الكتفين فيبدو جسدها كرجل أكثر‬                ‫لم يسبق لأحد أن رأى جسدي عار ًيا سوى أمي‬
‫ما يقارب الأنثى‪ ،‬وتذكرت قول عمتي الجميلة حين‬            ‫التي قالت يو ًما وهي تبتسم‪ :‬صرت فتاة ناضجة‪،‬‬

  ‫أحبت ابن عمها ولكنه تزوج غريبة بشعة بنظرها‪،‬‬                               ‫صار لازم تتحممي لوحدك‪.‬‬
    ‫يومها لتنتقم قالت كحكمة مموهة‪ :‬الشب الحلو‬           ‫وقصت لي شعري كي أتمكن من غسله‪ ،‬وأما عني‬
      ‫جماله بياخد من عقله‪ ،‬لهيك بيحب البشعات‪.‬‬
     ‫بعد أن انتهوا من توضيب آثاث بيتهم البسيط‬             ‫فلم أفهم معنى النضج الذي تتحدث عنه وأنا في‬
                                                                               ‫الثانية عشرة من عمري‪.‬‬
‫والذي يلبي حاجتهم كوجود صوفا واحدة وكنبتين‬
‫وطاولة‪ ..‬وحتى المكتبة رفوف خشب موضوعة على‬                   ‫في الحمام هذا الوقت الذي تدرك وأنت مرتاح‬
                                                           ‫أنه لن يتجرأ أحد على خلوة نفسك‪ ،‬ترى الأمور‬
                                                            ‫والأشياء بشكل مختلف عما تراه وأنت مشتت‬
                                                       ‫ومنهمك باللاشيء‪ ،‬لأن ما أقوم به لا شيء يعنيني‬

                                                                                           ‫لا شيء لي‪.‬‬
                                                            ‫مرة تخيلت المجنون الذي كنت أحبّه في الحمام‬
   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102