Page 94 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 94
العـدد 31 92
يوليو ٢٠٢1
حسن المغربي
(ليبيا)
عاشقة ماتيس
الراهبة ،شخص واحد له الحق ينتقدني ،تسمعين؟ لم يب َق ما يجعلني أنتظر ،لقد وضع رجال الأمن
هو بيكاسو ..والله طب ًعا ،فقل ذلك للآخرين؟ فاتخذ الأمتعة بالطائرة ،ودست هي بدورها تذكرة
بيكاسو طابعه المحملق ،وقال :ولماذا لا يقول الله السفر وما تبقى من المال في حقيبتها الجلدية ذات
ذلك للآخرين. الشرائط اللامعة ،وأخي ًرا ،قالت على سبيل الوداع:
سنلتقي يو ًما في ظروف أفضل مما أنتم فيه الآن،
كالعادة ،ابتسمت عند ذكر ماتيس وأطرقت قائلة: وطبعت على خدي قبلة لا يمكن وصفها ،أتذكر في
نعم! حينما تنظر إلى اللوحة أقطع لسانك ،هذا ما
أفعله دو ًما أمام ألوانه المتوحشة ،وظلاله الفاقعة، تلك اللحظة إحساسها جي ًدا ،كيف كانت ُتراقب
لذا ،كان عليَّ أن أجعل حياتي مثل (نافذة ماتيس) المسافرين في صالة الانتظار ،أكاد أسمع دقات
مشرعة في وجه العالم ،وأن أخدش بأظفاري مثل قلبها ،ارتباكها ،حركاتها المرتعشة وهي تقلب
القطط ،أصيح ،ابتهج ،أرقص عارية أمام المرآة، الموبايل بين يديها وتضرب بحذائها الأسود على
الأرض مثل مهرة غير مروضة ،سيظل هذا المشهد
لاص ًقا بذاكرتي ما دمت قاد ًرا على فعل التذكر.
باحت لي قبل يومين من سفرها :من الآن لن يكون
هناك اضطرابات عاطفية ،لا ألم ،لا بؤس ،بل سعادة
مطلقة ،سأركل زوجي على عجيزته ،لا أريد رج ًل
مثل دمية ماركيز ،يجلس طول الوقت على كرسي
ويقرأ في جريدة ،ثم أمسكت يدي بعنف وقالت:
يجب أن تعرف أن الحياة مع رجل أقرع ،صاحب فم
كريه ،يتبول في ملابسه الداخلية ،شيء ،والفظاظة،
والبلاهة ،والملل ،وقلة الإحساس شيء آخر تما ًما.
نعم ،يلزمك أن تكون مجنو ًنا لترى العالم بشمولية
تامة ..دفنت رأسها بين ذراعيها وأجهشت بالبكاء.
في تلك اللحظات ظننت أني المسؤول عن الحالة التي
وصلت إليها ،ورأيت من الضروري أن أعالج الأمر
بطريقة مرحة ،ولأني أعرف عشقها للفن ،وبصورة
خاصة أعمال هنري ماتيس ،قلت لها:
ذات يوم زار بيكاسو أحد المعارض ،فقالت له راهبة
متذمرة :سيد بيكاسو :ما دمت هنا ،أريد أن أقول
لك شيئًا ،هنا الجميع يعطون آراءهم العشوائية ،ذات
يوم تضايق السيد ماتيس ،فالتفت إل َّى قائ ًل :أيتها