Page 117 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 117

‫نون النسوة ‪1 1 5‬‬

                                                         ‫تيسير النجار‬

                                                  ‫كان يبكي لي‬

                                         ‫‪ -‬نعم‪.‬‬    ‫انهيت عملي في الساعة الرابعة عص ًرا كالعادة‪،‬‬
 ‫خرجت مرتعشة وبصوت خفيض‪ ،‬نظراته بدا فيها‬
                                                   ‫اخترت أن أتمشى حتى موقف السيارات الخاصة‬
                      ‫شيء مخيف‪ ،‬لكنني وقفت‪.‬‬       ‫بقريتي من طريق كورنيش النيل‪ ،‬تأملت الفاترينات‬
       ‫‪ -‬أنا إسماعيل فارس‪ ،‬أريد أن أتحدث مع ِك‪،‬‬
                                                   ‫الزجاجيات لمحلات الملابس المجاورة لمقر عملي‪ ،‬لم‬
                                      ‫ضروري‪.‬‬         ‫يعجبني شيء‪ ،‬قلتها لنفسي لأنني لا أمتلك ما ًل‬
    ‫حضرتك تعرفني‪ ،‬أنا لا أعرفك‪ ،‬وما الضروري‬
                                                   ‫وأراوغ كطبيعتي خو ًفا من إعلان ضعفي وحزني‪،‬‬
                                  ‫الذي يجمعنا؟‬        ‫تجاوزت المقهى الثقافي ونظرت إلى قصر ثقافة‬
       ‫أخاف من كلمة (ضروري‪ -‬المفروض‪ -‬أن ِت‬            ‫أسوان‪ ،‬تذكرت يوم حفل توقيع كتابي “جئتك‬
    ‫حرة)‪ ،‬بالأحرى أنزعج من تلك الكلمات‪ ،‬لكنني‬            ‫بالحب”‪ ،‬ابتسمت ومضيت‪ ،‬شعرت بأن كل‬
                                                     ‫الأشياء بلا معنى‪ ،‬الكتابة ووهم الخلود والبقاء‪،‬‬
                                    ‫استخدمتها‪.‬‬        ‫لا أحد يبقى بعد الرحيل‪ ،‬أخبرت صديقي الذي‬
      ‫‪ -‬حضرت ِك آخر فرصة لي لأنعم بالراحة‪ ،‬لو‬
‫سمحت‪ ،‬دقائق من وقت ِك فقط‪ ،‬أرا ِك كل يوم واليوم‬     ‫لم ألت ِق به في حياتي عن كل الهواجس التي تدور‬
                                                   ‫بعقلي‪ ،‬صديقي الذي صارت تراودني أسئلة مقلقة‬
                 ‫تملكتني الشجاعة فقط وحدثت ِك‪.‬‬
‫العابرون كانوا ينظرون نحونا بتعجب‪ ،‬طاقة النفور‬       ‫بشأنه أي ًضا‪ ،‬فهو يثق بالأحلام ويرى أنها بقوة‬
                                                  ‫الواقع‪ ..‬لكني أصبحت أرى أن الأحلام لا قيمة لها‪،‬‬
   ‫والخوف الصادرة مني والتردد والانكسار الذي‬       ‫والواقع سجن يحاصرنا جمي ًعا ويقتل كل رغباتنا‬
‫به‪ ،‬أظن كل ذلك وصل للجميع‪ .‬لم أجب‪ ،‬كنت أتلفت‬
                                                    ‫في النجاة‪ ،‬لقد توقفت عن الكتابة وعن الكثير من‬
                             ‫حولي مثل السارقة‪.‬‬     ‫الأشياء الحالمة‪ ،‬فجأة وجدت رج ًل قصي ًرا مقارنة‬
       ‫‪ -‬دعينا نجلس قلي ًل في أي مكان‪ ..‬أرجو ِك‪.‬‬   ‫بطول قامتي الفارع الذي أورثني أبي إياه‪ ،‬لم أكن‬

                                      ‫‪ -‬تفضل‪.‬‬                                     ‫أعرفه‪ ،‬يناديني‪.‬‬
   ‫الفضول جعلني أرضخ وأمضي مع هذا الغريب‬                                ‫‪ -‬آنسة تيسير لو سمحت‪.‬‬
‫المضطرب إلى كافيه ماربيلا‪ ،‬أحب الكافيهات لقلبي‪،‬‬
   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122