Page 114 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 114

‫العـدد ‪32‬‬  ‫‪112‬‬

                                                      ‫أغسطس ‪٢٠٢1‬‬

 ‫ذلك في قصة «أول مرة» التي تبدأ بحركة وكلمات‬             ‫وخلال قصص تلك المجموعة لا يفتر المتلقي عن‬
  ‫مقتضبة عند فقدان الأم وعيها بعد إخبار زوجها‬           ‫تشييد ذلك العالم ويقف على عدم واقعية السعادة‬
‫إياها بنِيّته في الزواج عليها‪ ،‬يقول (شادي) في مطلع‬       ‫منذ أن حملها العنوان إليه‪ ،‬ل ُيفاجأ بصوت فوقي‬
 ‫القصة‪« :‬دبيب خطواته عا ٍل و ُمرتبك‪ :‬يا (شادي)‪..‬‬        ‫‪-‬يشبه صوت الكاتبة إلى حد كبير‪ -‬في آخر قصة‬
                                                        ‫في المتتالية؛ يقول الراوي عن (نور)‪« :‬عند كتابتي‬
    ‫يا (فادي)‪ ..‬الحقني»‪ .‬ف ُتف ّعل تلك التقنية روابط‬   ‫لرواية (مثل أسرة سعيدة) سأجعلها تهجر (جاد)‬
 ‫جذب أجزاء المتتالية التي تبدأ قصصها بهذا النمط‬
                                                           ‫عند طرده من العمل‪ ،‬أو لا تقبل الزواج به من‬
   ‫الأسلوبي وفي الوقت نفسه تترك أنفاس القارئ‬          ‫الأساس»‪ .‬إن ظهور ذلك الصوت الفوقي في النهاية‬
‫لاهثة لمعرفة الأحداث اللاحقة لتشييد بنيان الحدث‬
                                                           ‫له فعل تدميري للبنيان الذي اجتهد القارئ في‬
                                ‫السردي الكامل‪.‬‬           ‫تشييده على مدار مائة صفحة؛ فالكاتبة أو الذات‬
                                                          ‫المبدعة تحادثه في نهاية العمل وقت وفاة (جاد)‬
                                                       ‫مستغلة وقوع المتلقي تحت وطأة التوتر والارتباك‬
                                                         ‫لمصير هذه الأسرة التي بدت سعيدة في النهاية‪،‬‬
                                                         ‫إلا أ ّنها تصدمه وتضع نهاية مغايرة عن النهاية‬

                                                           ‫المكتوبة‪ ،‬تجعله ‪-‬بعد أخذ هذه الفرضية بعين‬
                                                           ‫الاعتبار‪ -‬يعيد قراءة المتتالية من جديد ويعيد‬

                                                                       ‫تشييد بنيان آخر بروابط جديدة‪.‬‬

                                                                ‫‪ -2‬الجمل السردية‬
                                                              ‫كقوة جاذبة‪ /‬طاردة‪:‬‬

                                                       ‫على الرغم من أ ّن كل قصة قد تبدو بسيطة مكتملة‬
                                                            ‫العناصر نسبيًّا إلا أن التقنيات والديناميكيات‬
                                                           ‫التي تتحكم في ربط أجزاء المتتالية تبدو مثيرة‬

                                                        ‫للاهتمام عند تناولها بالنقد‪ .‬تمتلك المتتالية أجزا ًء‬
                                                       ‫تنماز بديمومة الحركة واستمرارية التطور شأنها‬

                                                           ‫شأن العجلة التي ُتدفع إلى الأمام‪ .‬فعبر الجمل‬
                                                        ‫السردية الحدثية القصيرة تتلاحق وتزداد سرعة‬

                                                            ‫دوران الأحداث‪ .‬فيكاد الوصف يختفي تما ًما‬
                                                          ‫وينتصر الحدث المتقطع دون إسهاب؛ مما يدفع‬
                                                         ‫بالقارئ لملء فراغاته مثال ذلك‪(« :‬فادي) يرسم‬
                                                         ‫السحاب والشمس‪( ،‬شادي) يقرأ كتا ًبا لم أتبين‬
                                                         ‫اسمه‪ ،‬نجلس في الباحة أمام منزلنا‪ ،‬اقترب مني‬
                                                        ‫فجأة‪ ،‬عانقني بقوة‪ ،‬شعرت كأنني حواء في لحظة‬
                                                       ‫خروجها من ضلع آدم»‪ .‬وتتمظهر قوة هذه الجمل‬
                                                         ‫السردية في ارتكاز كل قصة على لقطة أو مشهد‬
                                                      ‫واحد تبدأ بانفتاحها على منتصف الحبكة أو على حد‬
                                                        ‫التعبير اللاتيني ‪in medias res‬؛ فيشعر القارئ‬
                                                          ‫بالتورط في التفاعل المباشر مع الأحداث‪ ،‬ومثال‬
   109   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119