Page 119 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 119

‫نون النسوة ‪1 1 7‬‬                                                                        ‫‪ -‬من سلوى‪.‬‬
                                                         ‫‪ -‬سلوى يا تيسير ‪-‬لم يعتذر ويعقبها بأستاذة‬
  ‫وتتخصص في علاج الأورام‪ ،‬المرض اللعين الذي‬             ‫كعادته في الدقائق السابقة هي مدة معرفتي به‪-‬‬
                                ‫سرق أمها منها‪.‬‬        ‫طالبة في المعهد الذي كان بجوار محل الكي الخاص‬
                                                        ‫بأبي‪ ،‬كانت من تلك الطالبات الملتزمات اللائي لا‬
‫خجلت من تعجلي وقصر نظري‪ ،‬ندمت على خسارة‬               ‫يفكرن في شيء سوى في الدراسة والعمل من بعده‬
      ‫نظرة إسماعيل المقدرة لي‪ ،‬كان يسترسل وأنا‬
                                                                           ‫والنجاح والتدرج الوظيفي‪.‬‬
  ‫أغوص في خجلي‪ ،‬استأذنته في الذهاب إلى الحمام‪،‬‬                       ‫‪ -‬ولماذا لم تدرس بجامعات القمة؟‬
  ‫هز رأسه مواف ًقا‪ ،‬هناك غسلت وجهي ونظرت في‬                ‫سؤالي يحمل تقلي ًل من شأنها وغرو ًرا أزعج‬
  ‫المرآة وبكيت‪ ،‬وكأن الدموع التي بداخل إسماعيل‬                 ‫إسماعيل وتكذيبًا مغل ًفا لقصته‪ ،‬فأكمل ُت‪:‬‬
  ‫ويقاوم لحبسها انتقلت إل ّي‪ ،‬بكيت بصوت‪ ،‬خبأت‬               ‫‪ -‬أقصد إن كان لديها فرص أفضل لتحقيق‬
‫وجهي بكف َّي وأنا أفكر بكل أحزاني الماضية‪ ،‬غسلت‬
‫وجهي مجد ًدا‪ ،‬خرجت‪ ،‬وجدته يعلق نظره نحو باب‬                                                 ‫أحلامها‪.‬‬
  ‫الحمام‪ ،‬ينتظرني بابتسامته الجميلة‪ ،‬تأملته بدقة‪،‬‬         ‫‪ -‬أن ِت لا تعرفين شيئًا‪ ،‬وأظن أن الصورة التي‬
    ‫رجل في الأربعين من عمره‪ ،‬شعره به خصلات‬
  ‫بيضاء ناعم ومصفف للخلف‪ ،‬شاربه أسود يزين‬                               ‫رسمتها ل ِك غير مطابقة للواقع‪.‬‬
  ‫بياض وجهه‪ ،‬عيناه حزينتان‪ ،‬لاحظ نظراتي إليه‪،‬‬                                     ‫‪ -‬وما هي الصورة؟‬
 ‫التفت نحو النيل بابتسامة‪ ،‬جسمه متناسق وكتفاه‬
  ‫عريضتان‪ ،‬أصابعه متشابكة على الطاولة‪ ،‬فنجان‬             ‫‪ -‬إن ِك حيادية وإنسانة حقيقية لا تهتمين سوى‬
‫القهوة وكوب العصير غير موجودان‪ ،‬يرتدي ساعة‬                              ‫بالإنسان ذاته وليس ما حوله‪.‬‬
  ‫فضية عريضة‪ ،‬سرحت في ذراعيه‪ :‬هل لون جلده‬
‫متغير وأزرق من آثار ضربات المخدرات في عروقه؟‬              ‫انزعج ُت بشدة وعدت للنظر إلى النيل وتنفست‬
                                                      ‫ببطء‪ ،‬كان كوب الليمون فار ًغا‪ ،‬دخلت فتاة بحجاب‬
                  ‫وصلت للطاولة وجلست‪ ،‬فقال‪:‬‬
   ‫‪ -‬طلب ُت لنا آيس كريم فانيليا‪ ،‬هل تحبينه مثلي؟‬         ‫مل ًقى بإهمال يكشف منتصف شعرها الأسود‬
                                                         ‫الناعم‪ ،‬بجوارها شاب يحاوطها بذراعه يضمها‬
                                         ‫‪ -‬نعم‪.‬‬           ‫نحوه‪ ،‬صغيرة وقصيرة ترفع رأسها من أجل‬
      ‫‪ -‬تيسير أن ِت عند ظني‪ ،‬انفعال ِك يدل على إن ِك‬  ‫النظر إليه‪ ،‬هذا الإحساس الذي لم أجربه لأن عادة‬
                                                          ‫حتى الرجال طوال القامة يماثلونني في الطول‪،‬‬
           ‫إنسانة حقيقية‪ ،‬أرا ِك من خلال كلمات ِك‪.‬‬     ‫هذه طبيعتي عندما أنزعج أفكر في حدث بعيد عما‬
                            ‫‪ -‬شك ًرا يا إسماعيل‪.‬‬        ‫أزعجني‪ ،‬سعل إسماعيل باصطناع ليعيدني إليه‪،‬‬
                                                       ‫حاول أن يقول أي شيء لكن تأثره بفقدان سلوى‬
       ‫وضع النادل الآيس كريم أمامنا‪ ،‬دفع البولة‬         ‫كان واض ًحا وزاد من اضطرابه‪ ،‬لكنه نطق دفعة‬
    ‫الخاصة بي بظهر يده نحوي‪ ،‬وسحب الآخرى‬
                                                                                              ‫واحدة‪:‬‬
                                         ‫نحوه‪.‬‬        ‫‪ -‬آسف‪ ،‬لم أقصد محاسبت ِك يا أستاذة‪ ،‬كان كر ًما‬
‫‪ -‬كنت أفعل ذلك مع سلوى‪ ،‬التي نجحت على المحك‬           ‫منك أن تستمعي لغريب من أجل مساعدته فقط‪ ،‬أنا‬
                                                       ‫لست في حالتي الطبيعية‪ ،‬بل لم أكن طبيعيًّا‪ ،‬حتى‬
   ‫في الثانوية العامة والتحقت بالمعهد لسوء حظها‪،‬‬
     ‫تعرفت عليها عن طريق منَّة‪ ،‬وهي فتاة منحلة‬           ‫طفولتي كانت غير طبيعية‪ ،‬وبالنسبة لسلوى لم‬
    ‫من فتيات المنطقة ابنة تاجر من تجار الحشيش‬         ‫تكن لديها فرص كما تظنين‪ ،‬حين كانت في الصف‬

  ‫في منطقتنا الذي مهد لطريقي في تجارة المخدرات‬            ‫الثالث الثانوي توفيت والدتها‪ ،‬أقرب الناس إلى‬
   ‫بدخول المعهد والبيع لطلابه‪ ،‬كانت منة عيني في‬         ‫قلبي توفيت قبل الامتحانات بأسبوع واحد فقط‪،‬‬
    ‫عالم النساء‪ ،‬تأتيني بأخبارهن الخاصة‪ ،‬صرت‬
    ‫د َّجا ًل وأفك الأعمال التي أزعم بوجودها وتقف‬         ‫احتضنها والدها بحن ٍّو وهمس برفق أن أفضل‬
                                                        ‫ما تقدمه لوالدتها التي صارت تراقبها في السماء‬
          ‫عقبة في طريق تحقيق النساء لأحلامهن‪.‬‬           ‫أن تجتاز الامتحانات بتفوق وتدرس بكلية الطب‬
                   ‫‪ -‬وما هي استفادت ِك من ذلك؟‬

‫‪ -‬المال والكيف‪ ،‬الأسياد الروحانيون الذين أتواصل‬
   114   115   116   117   118   119   120   121   122   123   124