Page 127 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 127
125 تجديد الخطاب
الامتزاج ،ويعلن التنزيه صراحة، «من لم يكن له أستاذ لا يفلح
فمث ًل يعلن الامتزاج قائ ًل: أب ًدا؟» و»من لم يكن له أستاذ
مزجت روحك في روحي كما فإمامه الشيطان» و»أن الشجرة
تمزج الخمرة بالماء الزلال إذا نبتت بنفسها من غير غارس،
فإذا مسك شيء مسني فإنها تورق لكن لا تثمر ،كذلك
فإذا أنت أنا في كل حال المريد إذا لم يكن له أستاذ يأخذ
ووصف الحلاج حال فنائه قائ ًل: منه طريقته نف ًسا نف ًسا ،فهو عابد
«إذا أراد الله أن يوالي عب ًدا من
عباده فتح عليه باب الذكر ،ثم هواه لا يجد نفا ًذا».
فتح عليه باب القرب ،ثم أجلسه جرأة الحلاج جعلته ينقض القول
على كرسي التوحيد ،ثم رفع
عنه الحجب ،فيريه الفردانية السائد في عالم التصوف «من
بالمشاهدة ،ثم أدخله دار الفردانية، الحسين بن منصور الحلاج قال لشيخه :ل َم ل ْم ُيفلح» ،فقد
ثم كشف عنه الكبرياء والجمال، خرج الحلاج إ ًذا عن المألوف
فإذا وقع بصره على الجمال بقي الحقيقي ،بمعنى أن حلول الأرواح الصوفي .ربما ليخلق تجربة
بلا هو ،فحينئذ صار العبد فانيًا في الأبدان ليس سوى تشبيه. صوفية مستقلة محضة ،لذا رفض
وبالحق باقيًا ،فوقع في حفظه التصور الشعائري السائد الذي
سبحانه ،وبرئ من دعاوى ومن جانب آخر فالحلول يتضمن مداره أن التفاني في العبادات
نفسه». فناء الإرادة الإنسانية في الإرادة
وفي حال الفناء نطق الحلاج سبيل إلى الله.
بعبارته المشهورة «أنا الحق» ،كما الإلهية حيث يصبح كل فعل هذا ما جعله يرى أن «من ظن
نطق بقوله: صادر عن الإنسان صاد ًرا عن أنه يرضيه -أي الله -بالخدمة
أنا من أهوى ومن أهوى أنا الله ،وهكذا يكون الإنسان حسب فقد جعل لرضاه ثمنًا» ،ومن ثم
نحن روحان حللنا بدنا تصور الحلاج كما لا يملك أصل فإن الطريق الحقيقي إلى الله لا
فإذا أبصرتني أبصرته فعله كذلك لا يملك فعله ،وصفوة يمكن في اعتقاده أن يكون بعي ًدا
وإذا أبصرته أبصرتنا القول ،ففي مذهب الحلاج يبدو أن عن الحب ،ومصدر هذا الأخير
كما أنه يعلن نفي الامتزاج بقوله هناك تناق ًضا واض ًحا في مسألة المعرفة القلبية أو الذوقية .فالحب
الحلول ،فهو أحيا ًنا يقول بالحلول
مع الامتزاج ،وأحيا ًنا أخرى ينفي الخالص ،كما يبدو هو وحده
يظهر فيه عنصر الذوق؛ أي
ف«يكملاَا ُأهون ِت َنياتِ ُيس،و ِتغَييتِريممماسزتجهلةكة الإدراك الذوقي لماهية المحبوب.
ُم ْس َت ْولِ َي ٌة على لها ،فل َا ُهو ِت َيتِك وبناء عليه ،فهو يشير إلى أن
ممازجة لها». َنا ُسو ِت َيتِي غير المعرفة ليست وليدة العقل ،ولا
هذا التناقض يدل على أن الحلاج هي علم صوري ،بل وليدة قوة
لم يكن صاحب نظر منطقي، أخرى ،تعلو على العقل والحس
أو مذهب فلسفي متسق بمعنى م ًعا ،فهي نور إشراق من الجانب
الكلمة حتى يتفادى مثل هذا
التناقض ،وقد يفسر هذا التناقض الإلهي في قلب الصوفي.
بأن الحلاج كان يتحاشى بعباراته في هذا السياق يأتي الحديث عما
التي ينزه فيها الله عن الامتزاج يسمى بالحلول عند الحلاج ،وهو
بالبشرية سخط الفقهاء عليه من جانب يشير إلى حلول الطبيعة
في عصره .ومن دون شك فإن
الإلهية في الطبيعة البشرية،
وبعبارة أخرى حلول «اللاهوت»
في «الناسوت» ،ولا يخرج هذا عن
التعلق الشديد بالله ،وليس الحلول