Page 150 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 150

‫العـدد ‪32‬‬                       ‫‪148‬‬

                                  ‫أغسطس ‪٢٠٢1‬‬

‫عليه ذيل النسيان ولم يعد ينتمي‬          ‫الحقيقة لأنهم لا يتحدثون‬              ‫كتاب علم دقيق!»(‪.)20‬‬
‫إلى علم اليوم‪ .‬إن الذين يتحدثون‬         ‫عن هوى‪ ،‬ولكن بكلام الله‪.‬‬                    ‫الشيخ البوطي‪:‬‬
                                    ‫وعلي الرغم من ذلك فهم أي ًضا‬
  ‫على هذا النحو لم يفقهوا حكمة‬      ‫مختلفون في المذاهب والفتاوي‪،‬‬      ‫في لقاء له تحت عنوان ضوابط‬
   ‫التقريبات المتتابعة‪ ،‬فلا يوجد‬     ‫مع أن الكتاب الذي يستمدون‬      ‫الإعجاز العلمي في القران‪ ،‬عرف‬
 ‫إنسان علمي في روحه يؤكد أن‬          ‫منه الأحكام واحد‪ ،‬وهذا دليل‬
‫ما يعتقده الآن في العلم هو الحق‬       ‫على نسبية التفكير الإنساني‪،‬‬         ‫الإعجاز العلمي بأنه لصق‬
   ‫تما ًما‪ ،‬بل هو يؤكد أنه مرحلة‬    ‫فمن قبل كان ملك اليمين جائز‬       ‫معاني نظريات ظهرت البارحه‬
 ‫في الطريق إلى الحق التام‪ ،‬فحين‬   ‫والآن ُج ِّرم‪ ،‬ومن قبل كان تعليم‬
‫يحدث تغير في العلم مثل التحول‬        ‫البنات غير جائز والآن أصبح‬        ‫وربما تنسخ غ ًدا‪ ،‬حتى يقول‬
‫عن قوانين نيوتن في الجاذبية إلى‬    ‫حق من حقوقهن‪ ،‬ومن قبل كان‬         ‫أنا اكتشفت جوانب من الإعجاز‬
 ‫قوانين أينشتين؛ لا يلقى بما تم‬   ‫الختان سنة والآن جريمة‪ .‬أليس‬
‫عمله بل يوضع مكانه شيء أدق‬         ‫هذا دليل أن أفكارنا وفهمنا غير‬     ‫العلمي لم يكتشفها أحد غيري‬
 ‫منه قلي ًل‪ ،‬فإنك إن قست نفسك‬         ‫مطلقين‪ .‬فرجال الدين مدعو‬       ‫ممن يأخذون جوائز‪ ..‬وما ضر‬
 ‫بجهاز تقريبي فعرفت أن طولك‬          ‫الحق المطلق هم أنفسهم الذين‬    ‫القران مثل هؤلاء الذين يسيئون‬
 ‫ست أقدام لم تفترض أن طولك‬         ‫ينكرون الآن ما كانوا يتمسكون‬
   ‫يتراوح مث ًل بين خمس أقدام‬                                                     ‫إليه إساءة عمياء‪.‬‬
     ‫و‪ 11‬بوصة وبين ست أقدام‬                           ‫به البارحة‪.‬‬
‫وبوصة واحدة‪ ،‬فإذا قيس طولك‬              ‫من وجه آخر فإن إشكالية‬          ‫ثالثا فك تشابك‬
  ‫بعناية فظهر إنه يبلغ في حدود‬        ‫المطلق والنسبي لم تقف عند‬       ‫الرواقين المختلفين‬
 ‫ربع بوصة ‪ 5‬أقدام و‪ 11‬وتسعة‬         ‫حدود الأفكارالفلسفية‪ ،‬بل هذه‬
   ‫على عشرة بوصة فلا تظن أن‬         ‫الإشكالية هي أساس التصادم‬            ‫الدين والعلم‬
   ‫هذا قد ألقى بالنتيجة السابقة‬    ‫بين الدين والعلم‪ ،‬إما أن نتشدد‬
                                   ‫ونحكم العلم (النسبي) بمقياس‬           ‫أ‪ -‬مفهوم النسبي والمطلق‪:‬‬
     ‫عرض الحائط‪ ،‬وقد ظل هذا‬       ‫الدين (المطلق) ونرفض من العلم‬          ‫في المناظرة التي أقيمت بين‬
 ‫صحي ًحا وأمر التغيرات في العلم‬   ‫ما نظن أن الدين يرفضه فنوقف‬        ‫فضيلة الإمام أحمد الطيب شيخ‬
                                   ‫إمكانية تطورنا‪ ،‬وإما أن نتشدد‬         ‫الأزهر وبين السيد الدكتور‬
      ‫يشبه ذلك تمام الشبة»(‪.)21‬‬    ‫في اتجاه آخر عندما نحكم الدين‬      ‫الخشت رئيس جامعة القاهرة‪،‬‬
    ‫ما قاله برتراند راسل هو أن‬    ‫بمقياس العلم‪ ،‬وهنا نري تصادم‬        ‫لفت نظري سؤال غريب وجهه‬
                                                                    ‫فضيلة الإمام إلى د‪.‬الخشت وهو‬
      ‫نسبية العلم هي التقريبات‬                    ‫الدين مع العلم‪.‬‬    ‫يمسك كتابة «إذا كنت حضرتك‬
    ‫المتتابعة؛ فأعطانا مثل نيوتن‬    ‫ما كتبه برتراند راسل من قبل‬      ‫تعتقد أن الكلام مطلق فقد ذهب‬
  ‫وأينشتاين هل كنا نتبع نيوتن‬       ‫ر ًّدا على رجال الدين في عصره‬    ‫مذهبك‪ ،‬وإن كنت تعتقد أن هذا‬
‫في الخطأ ثم عندما جاء أينشتين‬                                       ‫الكتاب مشكوك فيه فأرجو حين‬
    ‫تركنا نيوتن واتبعنا الأخير!‬        ‫ليفصل بين المطلق والنسبي‬     ‫تتأكد قبل أن تهدي إل َّي الكتاب»‪.‬‬
                                    ‫ويوضح معني النسبي‪ ،‬ما زال‬           ‫سألت نفسي‪ :‬هل لو كان د‪.‬‬
       ‫الحقيقي أن العلم لا يتبع‬                                      ‫أحمد الطيب يعلم معنى النسبي‬
   ‫فكرة الثقة في الأشخاص لأنه‬         ‫مناسبًا للرد على رجال الدين‬       ‫والمطلق كان يعتقد أن سؤاله‬
 ‫موضوعي وليس ذاتيًّا‪ ،‬وعندما‬       ‫الآن‪ .‬يقول الفيلسوف «لقد درج‬
  ‫يصل عالم إلى أن يضع نظرية‬       ‫رجال الدين على الهزء بالعلم لأنه‬                          ‫مفحم؟‬
  ‫معينة فهو يمتلك من الأدلة ما‬    ‫يتغير‪ ،‬ويقولون‪ :‬انظر إلينا إن ما‬     ‫هذا السؤال كان ينتقد به من‬
    ‫يكفي أن يضع نظريته‪ ،‬فهذا‬                                          ‫يقدمون فكرة أن لا أحد يمتلك‬
   ‫أفضل ما توصل إليه الإنسان‬        ‫قررناه في مجمع نيقية لم نزل‬
  ‫من معارف‪ ،‬وعندما يأتي عالم‬       ‫نقرره بينما ما قرره العلماء منذ‬       ‫الحقيقة المطلقة وأن الأفكار‬
‫آخر لا يمحي ما كان في السابق‪،‬‬     ‫عامين أو ثلاثة أعوام فقط قد جر‬    ‫نسبية‪ ،‬فهاجم هذه الفكرة بكلام‬
                                                                    ‫يعني‪ :‬لماذا تتكلم وأنت ليس معك‬

                                                                      ‫الحقيقة؟ وكأن الكلام فقط من‬
                                                                     ‫حق رجال الدين الذين يمتلكون‬
   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154   155