Page 149 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 149

‫إن استخراج الأحكام من النص‬

‫المقدس بهدف العمل به ليس هو‬                                                                ‫في النفس المثير للانفعال‪ ،‬لا‬
‫العلم‪ ،‬ولو كان الاستخراج بمنهجية‬                                                        ‫يجب الوفاء به بحماية الحقائق‬

   ‫محددة‪ ،‬لأنه لا يوجد منهج علمي‬                                                          ‫العلمية‪ ،‬والخصائص المجربة‬
    ‫قائم على الإيمان‪ ،‬ولو أتي العلم‬                                                    ‫لهذه العوالم الموصوفة والمناظر‬
   ‫بنظرية مقنعة فلتكن بدليل‪ ،‬أما‬
                                                                                            ‫التي لا يراد من تناولها إلا‬
      ‫فكرة أننا ُنعمل عقولنا لتفسير‬                                                    ‫إثارة الشعور بجلالها وجمالها‪،‬‬
      ‫النص دون الخروج عن الإجماع‬                                                       ‫ودلالتها على عظمة القوة المدبرة‬
    ‫والصالح واللغة‪ ،‬فمن الذي جعل‬                                                      ‫لها المحققة لنظامها‪ ،‬ولو التزم في‬
                                                                                       ‫شيء من هذا تصحيح المقررات‬
                 ‫هذه المبادئ علمية؟‬                                                     ‫العلمية لأخل هذا الالتزام كثي ًرا‬
                                                                                       ‫بالأهداف الفنية الوجدانية‪ ،‬التي‬
  ‫من شأن الإسلام‪ ،‬و َي ْد ُعون له‬  ‫ومما في طبيعتها من إمكان‬                            ‫يريد الدين تحقيقها ونفع الحياة‬
  ‫أبلغ دعاية في الأوساط العلمية‬               ‫اتساع الخيال»(‪.)19‬‬
  ‫والثقافية‪ .‬نظروا في القرآن على‬   ‫الشيخ محمود شلتوت‪:‬‬                                     ‫بها عن طريق التأمل المتدين‪،‬‬
 ‫هذا الأساس‪ ،‬فأفسد ذلك عليهم‬       ‫تحت عنوان «تفسير القرآن على‬                              ‫والاعتبار النفسي العاطفي‬
  ‫علاقتهم بالقرآن‪ ،‬وأفضي بهم‬       ‫مقتضي النظريات العلمية»‪ ،‬في‬
  ‫إلى صور من التفكير لا يريدها‬     ‫مقدمة تفسيره للقرآن‪ ،‬يقول‬                             ‫المريح‪ ،‬قبل كل شيء آخر(‪.)18‬‬
                                   ‫الشيخ شلتوت‪« :‬إن طائفة‬                               ‫ويحلل نفسية مروجي الإعجاز‬
    ‫القرآن‪ ،‬ولا تتفق مع الغرض‬      ‫المثقفين الذين أخذوا بطرف‬
   ‫الذي من أجله أنزله الله‪ ،‬فإذا‬   ‫من العلم الحديث‪ ،‬وتلقنوا أو‬                            ‫العلمي بأنهم مجرد ردة فعل‬
‫مرت بهم آية فيها ذك ٌر للمطر‪ ،‬أو‬   ‫تلقفوا شيئًا من النظريات العلمية‬                      ‫على إحساسهم بالضآلة مقابل‬
  ‫وصف للسحاب‪ ،‬أو حديث عن‬           ‫والفلسفية والصحية وغيرها‪،‬‬                              ‫التطور الأوربي‪« :‬ترجع هذه‬
‫الرعد والبرق‪ ،‬تهللوا واستبشروا‬     ‫أخذوا يستندون إلى ثقافتهم‬                             ‫الفورة في التفسير العلمي إلى‬
   ‫وقالوا‪ :‬هذا هو القرآن يتحدث‬     ‫الحديثة‪ ،‬ويفسرون القرآن على‬                          ‫رد الفعل الذي أحدثه الاتصال‬
    ‫إلى العلماء الكونيين‪ ،‬ويصف‬     ‫مقتضاها‪ .‬نظروا في القرآن‬                           ‫بأوروبا‪ ،‬وامتزاج الثقافة العربية‬
 ‫لهم أحدث النظريات العلمية عن‬      ‫فوجدوا الله سبحانه وتعالي‬
   ‫المطر والسحاب‪ ،‬وكيف ينشأ‬        ‫يقول‪َ « :‬ما َف َّر ْط َنا ِف ا ْل ِك َتا ِب ِم ْن‬        ‫الإسلامية التي كانت نائمة‬
 ‫وكيف تسوقه الرياح‪ .‬وإذا رأوا‬      ‫فتأولوها‬   ‫َعشلىْي ٍءن»ح ٍ(والأزنيعنا لم‪:‬هم‪8‬أ‪3‬ن)‬   ‫بالثقافة الأوروبية الناضجة‪ ،‬وما‬
  ‫القرآن يذكر الجبال أو يتحدث‬      ‫يفتحوا في‬                                          ‫بهر العلماء من علوم ومخترعات‬
   ‫عن النبات والحيوان وما خلق‬        ‫القرآن فت ًحا جدي ًدا‪ ،‬ففسروها‬
 ‫الله من شيء‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا حديث‬      ‫على أساس من النظريات العلمية‬                            ‫حديثة‪ ،‬فحاولوا أن يرجعوا‬
‫القرآن عن علوم الطبيعة وأسرار‬      ‫المستحدثة‪ ،‬وطبقوا آياته على ما‬                         ‫إلى تراثهم الإسلامي العربي‬
                                   ‫وقعوا عليه من قواعد العلوم‬                              ‫يستنبطون منه أصول هذه‬
      ‫الطبيعة‪ ،‬وإذا رأوه يتحدث‬     ‫الكونية‪ ،‬وظنوا أنهم بذلك‬                            ‫العلوم‪ ،‬وخشوا إن هم لم يفعلوا‬
   ‫عن الشمس والقمر والكواكب‬        ‫يخدمون القرآن‪ ،‬ويرفعون‬                               ‫أن يبدو القرآن ضئي ًل في أعين‬
‫والنجوم‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا حديث يثبت‬                                                           ‫متبعيه وأنصاره‪ ،‬وأن تتزعزع‬
‫لعلماء الهيئة والفلكيين أن القرآن‬                                                         ‫العقيدة فيه من قلوب الناس‬
                                                                                        ‫أمام ما يرونه من معالم المدنية‬
                                                                                            ‫الحديثة‪ ،‬فحاولوا أن يبينوا‬
                                                                                         ‫أن القرآن احتوى هذه العلوم‪،‬‬
                                                                                        ‫وأشار إلى هذه المخترعات قبل‬
                                                                                        ‫أن يعرفها أهلها أنفسهم بثلاثة‬
                                                                                         ‫عشر قر ًنا واستفادوا من هذه‬
                                                                                      ‫الناحية من الكلمات والجمل التي‬
                                                                                      ‫يمكن أن تتحمل تأويلات واسعة‪،‬‬
   144   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154