Page 229 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 229

‫الملف الثقـافي ‪2 2 7‬‬

  ‫ولم يكن معهم من رجال‬        ‫الشك بعضهم‪ ،‬أقول لهم إن‬        ‫لا نظير لها في ثمارها‪ ،‬هي‬
  ‫الصفوة أحد‪ ،‬وهؤلاء من‬        ‫مجموعة من علماء الكنيسة‬       ‫فردوس المباهج‪ ،‬إن المدينة‬
   ‫ستجدهم حاضرين عبر‬
   ‫عصور التاريخ منقادين‬              ‫عملت بجد وإخلاص‬           ‫العظمى القائمة في وسط‬
  ‫وراء خطاب ديني مشوه‬              ‫وتوصلت إلى فكرة أن‬            ‫العالم تستغيث بكم أن‬
  ‫كقطيع‪ ،‬بعضهم ذهب إلى‬         ‫حملة العنف الممنهجة يمكن‬
                                   ‫تبريرها بالاستناد إلى‬    ‫هبوا لإنقاذها‪ ،‬فقوموا بهذه‬
    ‫بيت المقدس‪ ،‬وبعضهم‬          ‫مصادر معينة من الكتاب‬         ‫الرحلة راغبين متحمسين‬
   ‫بعد مئات السنين ذهب‬           ‫المقدس أو أعمال القديس‬      ‫كي تتخلصوا من ذنوبكم‪،‬‬
   ‫إلى ميدان رابعة العدوية‬                                    ‫وثقوا بأنكم ستنالون من‬
‫كزملاء في نقابة المخطوفين‬                 ‫أوغسطينوس‪.‬‬          ‫أجل ذلك مج ًدا لا يفنى في‬
                                ‫وكرائد في توظيف النص‬                ‫ملكوت السموات»‪.‬‬
                   ‫ذهنيًّا‪.‬‬   ‫الديني لأجل عيون السياسة‬       ‫وكأنه يقدم صكوك غفران‬
‫وبعد ان انتهت حملة العامة‬      ‫ومكاسبها قال‪« :‬إذا دعاكم‬           ‫متحد ًثا باسم السماء‬
 ‫بهزيمة منكرة جاء الأمراء‬     ‫الرب اليسوع إلى مساعدته‪،‬‬            ‫فيقول‪« :‬إنني أخاطب‬
                                                              ‫الحاضرين‪ ،‬وأعلن لأولئك‬
  ‫‪-‬القسم الثاني‪ -‬على متن‬           ‫فلا تتواروا في بيوتكم‬         ‫الغائبين‪ ،‬فض ًل عن أن‬
   ‫سفنهم الفارهة متخفين‬          ‫متقاعدين‪ ،‬ولا تفكروا في‬          ‫المسيح يأمر بهذا‪ ،‬أنه‬
  ‫وراء شعار الصليب‪ ،‬غير‬                                        ‫سوف يتم غفران ذنوب‬
 ‫عابئين بما آل إليه مصير‬           ‫شيء إلا فيما وقع فيه‬          ‫كل أولئك الذاهبين إلى‬
   ‫العوام المسلوبين ذهنيًّا‪.‬‬      ‫إخوانكم المسيحيون من‬       ‫هناك‪ ،‬إذا ما انتهت حياتهم‬
    ‫لقد صار من المسلم به‬          ‫الذل والهوان والمسكنة‪،‬‬       ‫بأغلالها الدنيوية‪ ،‬سواء‬
                               ‫ولا تستمعوا إلا إلى القدس‬      ‫في مسيرتهم على الأرض‪،‬‬
     ‫أن الدوافع الدينية في‬     ‫وزفراته‪ ،‬واذكروا جي ًدا ما‬       ‫أو أثناء عبورهم البحر‪،‬‬
 ‫الحروب الصليبية لم تكن‬          ‫قاله لكم المسيح»‪« ،‬ومن‬        ‫أو في خضم قتالهم ضد‬
 ‫إلا شعارات جوفاء هدفت‬            ‫لا يحمل صليبة‪ ،‬ويأتي‬
                              ‫ورائي فلا يقدر أن يكون لي‬     ‫الوثنيين (يقصد المسلمين)‪،‬‬
     ‫لصناعة روح صليبية‬                                         ‫وهذا الغفران أمنحه لكل‬
     ‫لدى الجماهير المؤمنة‬                       ‫تلمي ًذا»‪.‬‬
     ‫يمكن استثمارها‪ ،‬وقد‬        ‫وبطبيعة الحال فإننا لسنا‬    ‫من يذهب بمقتضى السلطة‬
  ‫أثبتت في كل مراحلها أن‬                                      ‫التي أعطاني الرب إياها»‪.‬‬
    ‫الاقتصاد والأطماع في‬          ‫في معرض للحديث عن‬             ‫وهو في هذا المقام يقول‬
   ‫البلاد التي تفيض سمنًا‬       ‫تاريخ الحروب الصليبية‪،‬‬
‫وعس ًل كان عمادها الأول‪،‬‬       ‫ولكن ما يعنينا هو الخطاب‬     ‫للجميع إنكم في كل الأحوال‬
  ‫وربما كان أكبر مثال أن‬                                       ‫محققون للفائدة والخير‪،‬‬
   ‫الحملة الصليبية الرابعة‬         ‫الديني المُشوه الذي تم‬    ‫فحتى لو وصل الأمر لح ِّد‬
     ‫سنة ‪ 1204‬تخلت عن‬          ‫توظيفه‪ ،‬وحالة الاستقطاب‬
   ‫هدفها المرسوم بالقدوم‬      ‫والتحدث باسم السماء‪ ،‬ولن‬      ‫الموت‪ ،‬فإن المشارك سيموت‬
 ‫إلى مصر باعتبارها حائط‬        ‫يكون غريبًا أن نجد الحملة‬           ‫وهو مغفور الذنب»‪.‬‬
  ‫الدفاع والصد‪ ،‬وانحرفت‬       ‫الصليبية الأولى قد انقسمت‬
  ‫إلى القسطنطينية‪ ،‬فسلبوا‬                                        ‫إن أولئك الذين دافعوا‬
  ‫ونهبوا وخربوا الكنائس‬          ‫إلى قسمين‪ :‬القسم الأول‬         ‫عن المسيحية واستولوا‬
‫المسيحية المخالفة في المذهب‬    ‫كان حملة العامة والغوغاء‬       ‫على القدس سيشرعون في‬
     ‫لمجرد الطمع فيها وفي‬                                     ‫رحلة حج‪ ،‬وسوف ُتغسل‬
  ‫ذخائرها الذهبية‪ ،‬ليسقط‬           ‫والدهماء الذين تأثروا‬     ‫آثامهم‪ ،‬وستجني أرواحهم‬
                              ‫بالخطاب الديني‪ ،‬وقرروا أن‬      ‫في الحياة التالية مكافآت لا‬
                                                               ‫توصف‪ .‬وفي حال ساور‬
                                ‫يذهبوا للشرق الإسلامي‪،‬‬
                                ‫منقادين وراء شعار الدين‬
                                ‫لتخليص الأرض المقدسة‪،‬‬
   224   225   226   227   228   229   230   231   232   233   234