Page 92 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 92

‫العـدد ‪32‬‬   ‫‪90‬‬

                                                         ‫أغسطس ‪٢٠٢1‬‬

                                                         ‫هدى يونس‬

                                                    ‫جلجلة أرواح‬

       ‫ما ُيقرأ!! وما أتذكره استفزازي من رؤيتك‪.‬‬              ‫تختلط ذاكرتي بذاكرة عالم غرائبي مشبع‬
                          ‫وتباطأ صوت أنفاسه‪:‬‬             ‫بتناقضات‪ ،‬أزمنتي أفتشها بلا هوادة‪ ،‬وشغف‬
                                                         ‫متلهف‪ ،‬حضور يقاوم إقصاء باحث عن هوية‬
       ‫‪ -‬زمن آخر قابلتك وأنت تترأسين صندوق‬              ‫مفقودة‪ ،‬هل هذه حداثة رؤية أم هذيان يدخلني‬
       ‫العشيرة‪ ،‬تعطين للفقراء والأرامل والمسنين‬
‫والمرضى‪ ،‬تتحايلين على الشرائع كي تمنحيهم أكثر‪،‬‬                    ‫غائبًا مستحي ًل‪ ،‬كي أتجاوز ركودي‪.‬‬
                                                     ‫دون تشويش أدركت ما لم أكن أتيقنه‪ ،‬كلما قابلني‬
         ‫غير عابئة بصناع القرار وأنا واحد منهم‪.‬‬      ‫يتفحص بكراهية‪ ،‬أو ربما استفزاز يتعمده‪ ،‬تجنبت‬
  ‫طال الصمت‪ ،‬وكأن عينيه تقاومان صدا ًما قاد ًما‪:‬‬
‫‪ -‬في زمن بعده أو قبله سمعت بمن تجاهر بمخالفة‬           ‫رؤيته‪ ،‬واذا تصادف غيرت بلا تردد وجهتي‪ ،‬في‬
   ‫حراس الشريعة الواردة من العهد القديم‪ ،‬تحدد‬          ‫شأن حكومي تلاقينا ولا مهرب! لوائح القوانين‬
 ‫للعامة طرق ترويض همجية متوارثة من الأسلاف‬
                                                         ‫وثغراتها زادت تشدد تعسف برؤيته‪ ،‬وامتدت‬
      ‫في دماء الشرائع‪ ،‬تشككت في ِك‪ ،‬وحين تأكدت‬           ‫طرق أسئلة بلا إجابة غير إجابته‪ ،‬تعمد إخفاء‬
    ‫وقرروا اغتيالك كنت معهم مؤي ًدا‪ ،‬وتم لحراس‬      ‫صوتي واكتفى بصوته‪ ،‬قال بأستاذية «أتعهد بتغير‬
   ‫التقوى الخلاص من صاحبة صوت العورة التي‬              ‫وجهتك ورؤيتك كلي ًة»‪ .‬وسمح بجلوسي جواره‬
‫خاطب الجمع بود أنثوي‪ ،‬ترك أثره وصداه في قهر‬          ‫حتى تنتهي مهمتي‪ ،‬وتأخر الوقت بجداله دون أن‬
                                                     ‫نصل‪ ،‬هممت بترك مكاني‪ ،‬أمرني بالبقاء وحضور‬
                  ‫المادي لصالح روحانية المخلوق‪.‬‬
‫مر وقت‪ ،‬ثقلت رأسي وغفلت عيناي‪ ،‬سمعت صوته‬                     ‫عرضه المسرحي‪ ،‬ولأني عاشقة استجبت‪.‬‬
                                                         ‫بلا مقدمات عبر بي أزمنة وأزمنة‪ ،‬عشت زمنًا‬
                                          ‫عاليًا‪:‬‬         ‫موغ ًل وحاض ًرا باهتًا‪ ،‬هممت بالكلام‪ ،‬وضع‬
    ‫‪ -‬ملامحك أراها واضحة تعيدين سطوع ذاكرة‬           ‫إصبعه على فمه يحذرني كي أصمت‪ ،‬أغمض عينيه‬
     ‫باهتة واهنة‪ ،‬وسط حيونات هزيلة ترعى نبا ًتا‬
                                                                           ‫وصوت هادئ غير صوته‪:‬‬
      ‫صحراو ًّيا جا ًّفا‪ ،‬حوافرها تبعثر رماد حدائق‬     ‫‪ -‬قابلتك في القرن الخامس‪ ،‬السابع‪ ،‬أو قبل ذلك‬
‫قديمة‪ ،‬تحكي كلا ًما غريبًا «لكل نبات طقوس عشق‪،‬‬
                                                                                            ‫بقرون‪.‬‬
   ‫ومراسم خلق‪ ،‬ولغة تعارف‪ ،‬نحب بعضه ونكره‬                                ‫ولأني مغرمة بالغيب نطقت‪:‬‬
       ‫بعضه‪ ،‬ويهز الحيوان رأسه علامة للفهم!»‪.‬‬
                       ‫نطقت غصبًا رغم تحذيره‪:‬‬                                          ‫‪ -‬كيف كنت؟‬
      ‫‪ -‬ما أتخيله راهبة في دير‪ ،‬تكتب الشعر بلغة‬        ‫‪ -‬لا أرى غير غيم وغيم‪ ،‬أنت أو أخرى تشبهك‪،‬‬
         ‫اندثرت‪ ،‬مثلما اندثرت منها أشياء أخرى!‬
                                       ‫قاطعني‪:‬‬                 ‫تخونني الذاكرة‪ ،‬ولا أتذكر أين تلاقينا‪.‬‬
                 ‫‪ -‬عاشت تطارد شهوة تطاردها‪.‬‬             ‫صم ُّت وظللت صامتة‪ ،‬زاد غلق عينيه وتجهمت‬

  ‫هممت بالكلام‪ ،‬حذرتني يده‪ ،‬وتكشيرة تهدد بين‬                                ‫ملامحه يبحث في عتمتة‪:‬‬
                                 ‫عينيه المغلقتين‪:‬‬    ‫‪ -‬الآن اقتربت الرؤية‪ ،‬تلاقينا في متحف منحوتات‬
                                                    ‫الغابة الحجرية بالهند‪ ،‬تقرئين «نصوص محاورات‬
‫‪ -‬أشعار العشق بلا خجل‪ ،‬ولا ُتعلن من هو‪ ،‬وكان‬        ‫دينية للإله‪ ،‬نقشت على حجر»‪ .‬لفت نظري وسمعي‬
   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97