Page 87 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 87

‫‪85‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

      ‫‪ -‬لا تكن ليّنًا كالزبدة بين أصابعها‪ .‬أشعرها‬     ‫حضورها ال ّذهن ّي طوال السنوات العشر التي لعبنا‬
                                  ‫بحرارة يد ْيك‪.‬‬        ‫فيها على السرير وخارجه أي ًضا‪ .‬ورغم فشلنا في‬
                                                         ‫إنجاب طفل يشاركنا تحريك هواء البيت الفاسد‬
      ‫‪ -‬حرارة يد ّي يمه‪ .‬أنا لست س ّخا ًنا شمسيًّا‪.‬‬
                     ‫‪ -‬أعرفك ديو ًثا‪ .‬تفوه عليك‪.‬‬         ‫بيديه وصراخه‪ ،‬إلا أ ّن علاقتنا كانت تحافظ على‬
                                                          ‫بعض التوازن النسب ّي‪ ،‬على الأقل أمام عائلت ْينا‪.‬‬
              ‫وتأتي بصقتها مع قبلتي على خ ّدها‪.‬‬          ‫العلاقات في قريتنا ُتقاس نسبة نجاحها برضاء‬
                         ‫‪ -‬لا تقبلني‪ .‬أنت خايب‪.‬‬
                                                            ‫العائلتين‪ ،‬تزورنا أ ّمها دائ ًما‪ ،‬وفي أيام مرض‬
       ‫وأرى دمو ًعا في عينيها‪ .‬عاصفة من المشاعر‬        ‫زوجتي تسكن البيت‪ ،‬وتستعير فم ابنتها المجهدة‪،‬‬
‫المتناقضة المتداخلة هي أ ّمي‪ ،‬وزوجتي كذلك‪ ،‬وأ ّمها‪،‬‬
                                                           ‫لتع ّوضها في ترديد مونولوج الصراخ والكلام‬
  ‫وك ّل نساء العالم‪ ،‬إلا أنجلينا جولي‪ ،‬تختلف عنه ّن‬         ‫المسموم‪ :‬لم لا تبحث عن عمل؟ أنت لا تصلح‬
                                        ‫جميعا‪.‬‬
                                                        ‫أب ًدا‪ .‬مسكينة ابنتي كيف تتح ّمل ثقل دمك‪ .‬وحين‬
    ‫***‬                                                  ‫تستعي ُد زوجتي عافيتها‪ ،‬تستعيد فمها من أ ّمها‪،‬‬
                                                       ‫ومع أ ّول صرخة في وجهي‪ ،‬تنسحب حماتي‪ ،‬بعد‬
                                  ‫قلت لزوجتي‪:‬‬         ‫أن تنظر إلى ابنتها وتقول جملتها السحرية‪ :‬اسمعي‬
‫‪ -‬أنت م ّزقت ك ّل صور أنجلينا التي علّقتها في غرفة‬
 ‫النوم‪ .‬لكن لن تقدري على تمزيق صورتها الكبيرة‬             ‫كلام راجلك‪ .‬تلك الجملة كانت تظهر لي وصيّة‬
                                                         ‫خير‪ ،‬أيام كنت عديم خبرة بالحياة الزوجية‪ ،‬أ ّما‬
                           ‫التي أعلّقها في رأسي‪.‬‬         ‫الآن فصرت أعرف أ ّن هذه الجملة هي شفرة لا‬
                                  ‫قالت زوجتي‪:‬‬           ‫تفهمها إلا ابنتها‪ ،‬وتعني‪ :‬واصلي جهدك في تنكيد‬
                                                         ‫حياته‪ .‬الحقيقة لم أتم ّكن من ح ّل تلك الشفرة إ ّل‬
     ‫‪ -‬يوما ما سأقطع لك رأسك الفاسدة‪ ،‬وأضع‬
   ‫مكانها سلّة مهملات‪ ،‬فهي تناسبك أكثر من كرة‬                                        ‫بالاستعانة بأ ّمي‪.‬‬
                                                            ‫أ ّمي لم تكن تزورنا كثي ًرا‪ ،‬فهي لم تكن تطيق‬
                         ‫اللحم التي تحملها الآن‪.‬‬       ‫زوجتي‪ ،‬رغم أ ّنها هي التي اختارتها‪ ،‬كانت أ ّمي لا‬
         ‫أخرج من بيتي ضاح ًكا‪ ،‬أقف أمام شجرة‬            ‫تزورنا إ ّل حين يمتلئ كيس خاطرها بالحكايات‪:‬‬
       ‫الصفصاف التي تقف قبالة بيتي‪ ،‬أحكي لها‬
 ‫الحوار الذي دار بيني وبين زوجتي‪ ،‬وحكايتها أ ّن‬          ‫فلان تز ّوج‪ ،‬فلانة ضبطوها مع فلان‪ ،‬يا لطيف‪،‬‬
‫أنجلينا جولي ستقوم بعملية تجميل لتصبح شبيهة‬             ‫استرنا يارب‪ ،‬فلان مريض‪ ،‬المسكين يقولون إنه‬
 ‫زوجتي‪ .‬تضحك شجرة الصفصاف حتى تتساقط‬
                                                      ‫مريض بالسرطان‪ ،‬رغم أ ّن الطبيب طمأنه‪ ،‬وقال له‬
                 ‫بعض ورقاتها من ش ّدة الضحك‪.‬‬                     ‫إ ّن الأمر لا يتجاوز مج ّرد سعال ديكي‪.‬‬

                ‫***‬                                       ‫‪ -‬الذين يقولون يفهمون أكثر من الطبيب يمه؟‬

‫بعد أ ّيام‪ ،‬تقول مق ّدمة أخبار في قناة فرنسا ‪ ٢٤‬إ ّن‬                                   ‫‪ -‬هم يقولون‪.‬‬
‫الممثلة الأمريكية أنجلينا جولي تعاني من السرطان‪،‬‬       ‫وتلتفت إلى زوجتي‪ ،‬لتتأ ّكد من أ ّنها لم تضحك من‬
‫وتعرض لها صورة تبدو فيها مج ّرد هيكل عظم ّي‪،‬‬
                                                      ‫سؤالي‪ ،‬ث ّم تستوي واقفة‪ ،‬وتنفض ملاءتها‪ ،‬وتقول‪:‬‬
    ‫كانت تشبه زوجتي كثي ًرا إلى ح ّد أ ّنني سمعت‬                          ‫‪ -‬عليّ أن أعود إلى بيتي الآن‪.‬‬
   ‫الكلام الذي يخرج من فم أنجلينا الحزين‪ ،‬وهي‬                                       ‫‪ -‬ابقي قلي ًل يمه‪.‬‬
                                                                         ‫‪ -‬لا‪ ،‬عليّ الاهتمام بدجاجاتي‪.‬‬
                                      ‫تقول لي‪:‬‬
                         ‫‪ -‬اذهب واشتر الخبز‪.‬‬                ‫ث ّم تنظر إل ّي‪ ،‬وتقول بصوت تسمعه زوجتي‪:‬‬
‫وحين عدت إلى البيت‪ ،‬حام ًل كيس الخبز‪ ،‬قالت لي‬                 ‫‪ -‬لا تجرح خاطر زوجتك بكلامك القاسي‪.‬‬

                                      ‫زوجتي‪:‬‬            ‫أرافقها خارج البيت‪ ،‬وحين تتأ ّكد من أ ّن زوجتي‬
                      ‫‪ -‬من قال لك اشتر الخبز؟‬         ‫لا تسمع حوارنا‪ ،‬تلتفت إل ّي‪ ،‬وتقرصني من ذراعي‪،‬‬

                                                                                        ‫وتقول بح ّدة‪:‬‬
   82   83   84   85   86   87   88   89   90   91   92