Page 85 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 85
83 إبداع ومبدعون
قصــة
تع ّودت على إزعاجي في الأيام الأخيرة ،خا ّصة بعد
انقطاعي عن العمل بعد الثورة ،وطردي من مصنع
الشوكولا الذي كنت أعمل فيه مراقبًا للعمالة،
أس ّجل وقت دخولهم ووقت خروجهم .لم أتأسف
على ضياع مورد رزقي القليل ،وإنما تأسفت على
ضياع اللحظات التي كنت أتغ ّزل فيها بعاملات
المصنع ،كنت أسميهن النحلات ،وكنت أتقبّل بح ّب
قرصات بعضه ّن لي ،وه ّن ك ّن يسمينني الدبور.
كنت أحاول أن أف ّسر له ّن أ ّن الد ّبور لا يمكن أن
يكون مراقبًا لخليّة نحل .لكن بعد طردي من العمل،
تأ ّكد لي أنني دبور حقيقي.
قالت أنجلينا جولي:
-هل ستستم ّر في سردك المم ّل وأنا واقفة على بابك
في هذا الصباح الشتائ ّي البارد؟
قلت لها ،وأنا أشرع لها باب بيتي:
-تفضلي بال ّدخول أنجلينا.
هي تعرف ظروف حياتي ،لذلك لم تتفاجأ بأثاث
بيتي القديم الذي بدأت ال ّرطوبة تضع عليه لمساتها،
جلست على الأريكة الخضراء القديمة التي تتو ّسط
قاعة الاستقبال ،ورفعت رأسها إلى السقف المتهالك،
وقالت:
-ألم تصلح بع ُد سقف بيتك أيها الرجل؟
-أنت تعرفين ظروفي جي ًدا أنجلينا ،طردت من
العمل منذ عشرة أشهر ،وتف ّرغت لكتابة مقالات
في صحيفة عربية ،أكتب مقا ًل في الأسبوعين بمائة
دينار ،وهذا لا يكفي ليس ّد حاجتي من القهوة في
الشهر .لك أن تتصوري حياتي إذن :إنسان يعيش
على القهوة الرخيصة ،وعلى الطعام الرديء ،وقراءة
الكتب بصيغة البي دي إف .التعب يحاصرني من
ثلاث جهات :معدتي وأعصابي وعين ّي.
وضع ْت سا ًقا على ساق ،وأشعلت سيجار ًة ،وكانت
حركتها هذه تعني انهض واحضر لي قهو ًة .قلت
لها:
-كيف تحبّين قهوتك؟
-نسكافيه دون سكر ،وعليها ملعقة من الشوكولا
المج ّففة.
في مطبخي الكئيب ،وجدت الوقت لأر ّتب أفكاري
بما يمنحني شخصية جذابة أمام أنجلينا جولي.
لا ش ّك في أ ّن مج ّرد الدخول إلى المطبخ وتحضير