Page 89 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 89

‫‪87‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

  ‫أ ّي شيء يش ّدني! ولكنني لم أسمع أ ّي تعليق على‬                        ‫أخبرني بأنه لا يرى أ ّي بقعة!‬
‫طريقة المشي الجديدة‪ ،‬ما زال ك ّل من يراني يمتدح‬         ‫كنت أرقب حركة عينيه الجائعتين‪ ،‬لذلك رفضت‬

             ‫ظهري المشدود‪ ،‬وجسدي الرياضي!‬                        ‫الكشف‪ ،‬ونهضت قبل أن يم ّد أصابعه‪.‬‬
                                                      ‫ولك َّن عضات قلبي لي استمرت بشراسة أكبر‪ ،‬ولم‬
  ‫مع تلمسي للنتوء الذي يكبر‪ ،‬أو ربما الذي يزداد‬        ‫يستطع أ ّي أحد أن يراها‪ ،‬حتى جهاز الماموغراف‬
     ‫طو ًل‪ ،‬صرت أخاف أن يراه الآخرون‪ ،‬تحدي ًدا‬       ‫الذي لجأت إليه خو ًفا من سرطان الثدي لم يكتشف‬

  ‫خشيت أن يراه حبيبي فيبتعد عني‪ .‬رحت أرتدي‬                                         ‫أ ّي بقع ٍة أو أسنان!‬
                                                     ‫سلّمت أخي ًرا بأن لقلبي أسنان غير مرئية‪ ،‬غير أ ّنها‬
      ‫ملابس فضفاضة‪ ،‬امتدحتها صديقتي قائلة‪:‬‬
                                                                                         ‫قاسي ٌة ج ًدا‪.‬‬
             ‫‪ -‬ألم أقل لك‪ ..‬للح ّب حكمه وسطوته!‬
    ‫وددت أن أخبرها بمشكلتي‪ ،‬ولكنني خشيت أن‬                           ‫***‬
‫تشعر بالنفور منّي‪ ،‬أو ربما يؤثر المشهد المقزز على‬
                                                             ‫صار قلبي ودي ًعا‪ ،‬لا يفتح فمه إلا ليخبرني‬
                                        ‫حملها!‬       ‫بالشوق‪ ،‬ألم من نوع آخر‪ ،‬لا آثار جلدية تش ّف منه‬
                                                      ‫أو تلمح‪ ..‬هدوء ساذج‪ ،‬مع استمرار تعلّقي بالحب‬
                        ‫لا ب ّد من زيارة الطبيب‪..‬‬
      ‫الطبيب الجديد ظ ّل يتأمل امتداد عقد ظهري‪،‬‬                         ‫الذي يتبادل في قلبي مواسمه‪.‬‬
 ‫ويتلمسه من أوله إلى آخره‪ ،‬بحثًا عن النتوء‪ ،‬الذي‬           ‫يوميًّا نلتقي‪ ،‬نتحدث‪ ،‬نختلف‪ ،‬نتعانق‪ ،‬نتبادل‬
                                                      ‫القبل‪ ،‬ونعود مساء لنتحدث‪ ،‬نختلف‪ ،‬نغيب‪ ،‬نرسل‬
      ‫أشرت إلى وجوده أسفل ظهري‪ ..‬كنت أشعر‬              ‫الرسائل القصيرة‪ ،‬ننتظر ده ًرا لا يتجاوز الدقائق‬
                                                     ‫من أجل الرد‪ ،‬نلهث‪ ..‬نلهث‪ ،‬ونحن نلاحق تجاذبات‬
   ‫بالخجل‪ ،‬من القبح الذي أراه يتمدد‪ ،‬عندما أنهى‬
                                                                                            ‫المشاعر‪..‬‬
         ‫الطبيب جولته الطويلة على ظهري‪ ،‬ليقول‪:‬‬          ‫لا شيء ف َّي يصادقني إلا قلبي‪ ،‬ك ّل السرور الذي‬

‫‪ -‬لا يوجد أ ّي نتوء أو تشوه‪ ،‬جسدك في حالة كمال‬           ‫أظهره‪ ،‬ك ّل الجمال الذي يثني الجميع عليه‪ ،‬ك ّل‬
                                         ‫نادرة‪.‬‬        ‫قصائد الح ّب التي أكتبها فيمتدح إبداعها الجميع‪،‬‬
                                                      ‫ك ّل القبل التي أمنحها بكامل الشغف‪ ،‬ك ّل الرعشات‬
        ‫ث ّم أضاف بلهجة فيها الكثير من التح ّرش‪:‬‬
‫‪ -‬ومع ذلك يمكنني أن أبحث أبعد من أسفل الظهر!‬              ‫التي تل ّم بي‪ ،‬تخ ّصه وحده‪ ،‬وقد غابت أسنانه‪.‬‬
                                                        ‫صرت أتعامل مع الآخرين بخوف‪ ،‬أرتجف حين‬
 ‫وعيت إلى أنني وحدي أرى امتداد النتوء‪ ،‬فخرجت‬          ‫أقابل صدي ًقا‪ ،‬أتلعثم أثناء الحديث‪ ،‬أكتب بلا روح‪،‬‬
                                                     ‫أخفف من ضحكتي العالية‪ ،‬وأتوارى حيث يمكنني‪،‬‬
                             ‫قبل أن يكمل بحثه‪.‬‬        ‫ولم يعلّق أحد على تغيري‪ ،‬بل إنني كثي ًرا ما أسمع‬

    ‫***‬                                                             ‫عبارة‪« :‬أنت لا يمكن أن تتغيري!»‪.‬‬

 ‫ك ّل فأر في مصيدة بات يمثلني‪ ،‬لا أملك أن أداري‬                      ‫***‬
 ‫خوفي وقلقي‪ ،‬ولا أجد الناس يهتمون لذلك‪ ،‬حتى‬
  ‫استطاعت أخي ًرا أسنان قلبي القاسية‪ ،‬أن تع ّض‬          ‫مشكلة جلدية جديدة بدأت تؤرقني‪ ،‬نتوء جلدي‬
‫الذيل الذي كان يشدني إلى المصيدة‪ ..‬فارتحت لألم‬         ‫ينهض في آخر ظهري‪ ،‬أشعر به يطول‪ ،‬ويشدني‪،‬‬

    ‫خا ّص ج ًّدا‪ ،‬لا أثر له إلا ببعض البقع اللاذعة‪.‬‬      ‫بدأت أمشي بحذر‪ ،‬شيء ما يدفعني للاستقامة‬
                                                          ‫المبالغ فيها في المشي‪ ،‬أظ ّن أنني أبدو للآخرين‬
    ‫***‬                                                 ‫متعالية لا ترى الناس أمامها‪ ،‬ولو أنهم يدركون‬

 ‫استيقظت اليوم من دون ألم‪ ،‬أسنان قلبي غائبة‬
‫تما ًما‪ ..‬وث ّمة نتوء صغير بدأ يظهر أسفل ظهري!‬
   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93   94