Page 86 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 86
العـدد 32 84
أغسطس ٢٠٢1
-3من قال لك اشتر الخبز؟ قهوة لسيدة رسم انطبا ًعا حسنًا عني في ذهنها:
أنا رجل حداث ّي أحترم المرأة .لكن هذا لا يكفي،
أعود من المقهى ،أج ُد زوجتي في جلباب أسود سأدعم مل ّفي بالحديث عن القطط والكلاب المش ّردة
تجلس على الجليز الأخضر ،محاطة بقصاصات في شوارع المدن العربية ،سأضع قناع المستاء من
الصور المم ّزقة ،لم تترك صورة واحدة لم تمزقها التعذيب الذي تلاقيه تلك الحيوانات المش ّردة من
من صور أنجلينا جولي التي علّقتها على جدار غرفة قبل الإنسان العرب ّي ،ولن أتو ّرع عن شتمه ووصفه
النوم .كان مشهد جلوسها على الجليز الأخضر بالهمج ّي والوحش ّي .المه ّم أن تنظر إل ّي أنجلينا نظرة
بين صور أنجلينا الممزقة مثي ًرا لل ّضحك ،لكنني لم
ح ّب ،وأحظى منها ولو ب ُقبلة خاطفة.
أضحك .افتعلت الجدية وسألتها: ذ ّكرتني حكاية القبلة الخاطفة ببعض لقاءاتي
-ماذا تفعلين؟ العاطفية في بدايات مراهقتي ،وكيف كنت أنق ّض
-قتلتها الكلبة. على شفت ْي الفتاة التي أواعدها مثلما ينقض فهد
على غزالة ويخنقها .جوع عاطف ّي قاتل وكبت أصفر
انفلتت من أعماقي ضحكة مجلجلة .قالت زوجتي:
-ل َم تضحك؟ كأزهار الصبار.
صرت أنظر إلى المرأة الشقراء التي تجلس في
لم أجبها .دخلت المطبخ لأع ّد نسكافيه ،فتبعتني مثل صالة الضيوف من خلف شبكة من العقد العاطفية
عاصفة سوداء ،مسكتني من قميصي بقسوة ،حتى الكثيرة .خطرت على بالي فكرة مصارحتها ،سأقول
كاد يتم ّزق .قلت متشنّ ًجا: لها:
-ستم ّزقينني أنا أي ًضا؟ -الحقيقة يا أنجلينا أنا أحضرت لك قهوة ،لكنني لا
أفعل ذلك مع زوجتي حتى وهي مريضة ومرهقة.
قالت:
-أجبني أ ّو ًل. الحقيقة أنا لا أتح ّرج من السير معك في الشارع
-ع ّم أجيبك؟ وأنت ترتدين هذه التنورة التي تبدو أقصر من
-ما الذي تراه فيها أجمل مني؟ قصيدة هايكو ،لكني أبدو متضاي ًقا ومرتب ًكا وأنا
-ك ّل شيء ،ك ّل شيء ..إذا أردت أن أهت ّم بك أسير مع زوجتي ،حتى وإن كانت ترتدي قصيدة
فقومي بعمليّة تجميل ،واجعلي جسدك مشابها عمودية مطولة لا تظهر منها سوى عينيها .الحقيقة
كذلك أنا لا أح ّب القطط والكلاب ،بل إنني لا أتر ّدد
لجسدها. في ركل ق ّط يقترب من فطوري الصباحي أو في
-كم أنت أحمق ،وكم كنت مخدوعة فيك .ستقوم رمي كلب يعترضني بحجر .لكن في داخلي رغبة
في ح ّل عقدي ،وتهذيب نفسي قلي ًل لأتصالح مع
هي بعملية تجميل ،وستح ّول جسدها ليصبح
مشاب ًها لجسدي. المخالب والأنياب الأليفة.
حضرت النسكافيه أخي ًرا ،سكبتها في فنجان أخضر
انفلت من أعماقي قطيع من ضحكات مجلجلة. أهدته لي زوجتي في عيد زواجنا الأول ،انتبهت وأنا
قالت:
اقترب من أنجلينا جولي إلى الصورة على الفنجان
-اضحك ..اضحك ..سترى الأمر بنفسك. الأخضر :صورة لي مع زوجتي .ارتبكت ،وسقط
بقيت أنظر إلى زوجتي التي تبدو مج ّرد هيكل من بين يد ّي فنجان النسكافيه الساخن ،وفي تلك
عظم ّي ،شعرت بال ّرأفة بها ،وأحسست أ ّنني مذنب اللحظة أفقت من نومي ،لأجد زوجتي قبالتي وهي
في ح ّقها .كم أبدو أنانيًّا وبلا قلب ،مهما يكن
فهي زوجتي ،وعشرتنا تمت ّد إلى عشر سنوات، تضع فنجان النسكافيه ،وتقول بصوت جا ّف:
وقد كانت تجتهد لإرضائي رغم قسوة الظروف -إنه بلا س ّكر كما طلبت .أما الشوكولا المجففة،
التي كانت تسرق لحظات السعادة القصيرة التي
نصنعها .صحيح أنها كانت من اختيار أ ّمي ،وهي فقد نفدت العلبة التي اشتريتها منذ أسبوعين.
تتلاءم مع خطط أ ّمي التكتيكية أكثر من اختياراتي
أنا ،لكنها كانت تحافظ على لياقتها البدنية وعلى