Page 88 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 88

‫العـدد ‪32‬‬          ‫‪86‬‬

                                                              ‫أغسطس ‪٢٠٢1‬‬

                                                          ‫غفران طحان‬

                                                                      ‫(سورية)‬

                                                    ‫أسنان قلبي‪..‬‬

 ‫الح ّب دائ ًما‪ ،‬كانت تخبرني‪ ،‬وهي تنتحب بعد فشل‬        ‫بعد ثلاث ساعات لا أفعل فيها شيئًا سوى تأمل‬
                               ‫علاقة جديدة لها‪:‬‬         ‫القلوب الحمراء التي تتطاير من نافذة المحادثة‪،‬‬
                                                      ‫شعرت وكأنني فأرة صغيرة علق ذيلها بمصيدة‪،‬‬
‫‪ -‬لا‪ ..‬لا يمكن لي العيش من دون تواصل‪ ،‬من دون‬         ‫بينما كانت تريد جبنًا‪ ،‬أو ربما كانت تتسلى بالعبث‬
‫حب‪ ،‬لا أستطيع أن أمضي من دون وجود شخص‬               ‫بتلك الآلة الغريبة‪ ،‬غير أ ّنها علقت بالمصيدة‪ ،‬فلا هي‬
‫مغاير لطبيعتي‪ ،‬يفهمني‪ ،‬أخبره بك ّل جنوني ومللي‪،‬‬
 ‫فيربت على قلبي‪ ،‬ويسمعني جي ًدا تحت بند فاجعة‬                        ‫ماتت‪ ،‬ولا هي قدرت على الهرب‪.‬‬
                                                    ‫تئن بوجعها‪ ،‬تش ّد ذيلها‪ ،‬تحاول الهرب‪ ،‬وهي تتأمل‬
                         ‫الحب كما تسمينها أنت!‬
‫‪ -‬إ ّنها فاجعة! انظري إلى نفسك‪ ،‬إ ّنك تفقدين قدرتك‬                      ‫قطعة الجبن برائحتها النفاذة‪.‬‬
                                                      ‫أصبت بالهلع من التشبيه المقزز الذي خطر ببالي‪،‬‬
                             ‫على أن تكوني أنت!‬
     ‫كنت أستم ّر في لومها دائ ًما‪ ،‬ولكنني كنت أفهم‬        ‫حاولت النهوض‪ ،‬فلم أستطع‪ ،‬كان ذيلي عال ًقا‬
   ‫حاجتها الدائمة التي لا تستطيع التحكم بها‪ ،‬كما‬        ‫بمصيدة غير مرئية‪ ..‬بينما ما زالت القلوب على‬

                                       ‫أفعل أنا‪.‬‬                                ‫شاشة الهاتف تطير‪.‬‬
‫حتى وقعت أخي ًرا بمصيدة الزواج‪ ،‬وراحت تمارس‬
                                                                    ‫***‬
                       ‫تواص َلها بالصراخ والندم!‬
                                                    ‫كنت أمتلك ميزة فادحة‪ ،‬تدفعني لفلسفة أ ّي تفصيل‬
                ‫***‬                                  ‫أراه من حولي ولا أعيشه‪ ،‬بل إنني كنت قادرة على‬

        ‫كثي ًرا ما كنت أتحدث عن تفوقي على جميع‬         ‫الحديث عنه من مسافة أمان‪ ،‬قوقعة متينة أضع‬
    ‫صديقاتي‪ ،‬أكرر عبارة “لا أحتاج أح ًدا»‪ ،‬وأكمل‬        ‫نفسي فيها‪ ،‬أمنع عنّي أي اختبار فاشل‪ ،‬أس ّرب‬
 ‫النجاح وحدي‪ ،‬أتفوق‪ ،‬أغامر‪ ،‬وازداد ثقة بنفسي‪..‬‬         ‫لروحي ما تحتاجه من تواصل من خلال الكتب‪،‬‬
   ‫غير أن قلبي كان يعضني‪ ،‬هل جربت أن يتحول‬             ‫والتأمل الروحي‪ ،‬قد ألجأ إلى اليوغا‪ ،‬وأسخر في‬

     ‫قلبك إلى كائن شرس بإمكانه أن يفترسك من‬                  ‫الوقت نفسه من أصحاب نظريات الطاقة‪.‬‬
      ‫الداخل؟ قلبي كان يفعل‪ ،‬اكتشفت ذلك بعدما‬          ‫(حاجتنا للتواصل‪ ،‬الرغبة بأن نساير الملل بتبني‬
                                                       ‫آراء أشخاص آخرين‪ ،‬وإقحامهم في حياتنا‪ ،‬ذاك‬
           ‫تعاملت مع آخر عرض حب بحياد تام‪.‬‬
    ‫صحوت ليلتها من نومي‪ ،‬على وخز في صدري‬                 ‫الخيط الذي يش ّدنا منذ الأزل‪ ،‬نبقى مشغولين‬
    ‫الأيسر‪ ،‬رفعت الملابس الداخلية لألمح بقعة على‬     ‫بعبارة “الإنسان كائن اجتماعي”‪ ،‬شيء ما يدفعنا‬
   ‫شكل فم مفتوح الأسنان‪ ،‬خفت منها‪ ،‬وذهبت في‬           ‫رغ ًما لخوض أشرس العلاقات البشرية‪ ،‬تلك التي‬
‫اليوم الثاني إلى طبيب مختص‪ ،‬وقف أمامي مرتب ًكا‬
      ‫كالأبله‪ ،‬ينظر إلى حلمتي المنتصبة من الوجع‪.‬‬                                     ‫يسمونها حب!)‬
                                                    ‫هذا ما أعلق به على هوس صديقة لي بالبقاء على قيد‬
   83   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93