Page 117 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 117

‫‪115‬‬  ‫نون النسوة‬

                                                    ‫نهى الصراف‬

                                                    ‫دفاتر إشراق العائلية‪..‬‬
                                                        ‫وجبة حنين دافئة‬

 ‫وهي تضع حاج ًزا كافيًا من الزمن والمسافة كي لا‬     ‫دائ ًما كانت إشراق سامي قريبة إلى نفسي‪ ،‬وهي‬
  ‫تجرحها الذكريات‪ ،‬لهذا يأتي حديثها سل ًسا عذ ًبا‬
  ‫من دون أن يترك ندو ًبا في النفس‪« :‬أصبحنا الآن‬      ‫ذاتها صاحبة اللغة العذبة التي لا تتغير سواء أكان‬
                                                       ‫ما تكتب بحثًا أكاديميًّا مليئًا بالمصطلحات المعقدة‬
    ‫نتذكر الأشياء البسيطة التي أهديت لنا بطريقة‬
 ‫تشبه ذكريات ممثلة تعدت عمر الشباب منذ زمان‬          ‫التي لا يفقه فيها سوى أهل الاختصاص‪ ،‬أو مزحة‬
‫طويل‪ ،‬حين تنظر إلى نفسها في أفلام السينما‪ .‬كانت‬     ‫رقيقة على صفحتها في فيسبوك‪ .‬القاسم المشترك في‬
 ‫تلك الأشياء وثائقنا وأشرطة ذكرياتنا الملونة‪ ،‬التي‬
  ‫تحملنا نحو حياة عشناها كانت أكثر جما ًل وأكثر‬       ‫التقاطاتها الذكية؛ البساطة والعمق في آن م ًعا‪ ،‬هذا‬
                                                        ‫الثنائي الإبداعي الذي قلَّما يجتمع في قلم واحد‪.‬‬
                                   ‫سعة ربما»‪.‬‬          ‫تستقي إشراق أفكارها من رائحة الأرض وظلال‬
 ‫إشراق سامي صديقتي المقربة‪ ،‬وهذا لا يمنحني ما‬          ‫الأشجار التي يداعبها النسيم‪ ،‬كما ترسم كلماتها‬
‫يكفي من الحقوق لارتكاب قراءة محايدة‪ ،‬رغم ذلك‪،‬‬          ‫وتطليها بألوان الطيور وحكايات الجدات العذبة‪..‬‬
 ‫سمحت لنفسي بالاسترسال في نسج هذه الخيوط‬
                                                      ‫وهي لا تنكر صلتها هذه بالأرض عندما تقول «أنا‬
  ‫القليلة‪ ،‬فربما ستمنح قارئ ما حرية الحركة بين‬          ‫شجرة»‪ ،‬كما هو عنوان قصتها الأولى‪« :‬غرست‬
 ‫سطور كتابها من دون خوف الوقوع في التفاصيل‬
‫أو الضياع في محيط فكرة مجردة‪ .‬الخيوط الرهيفة‬        ‫أقدامي في الوحل‪ ،‬تمسكت جي ًدا بخصر نخلة قريبة‪.‬‬
                                                               ‫أغمضت عيني وشممت رائحة الأرض»‪.‬‬
    ‫هي ما يربط لغة الكلام بالقلوب‪ ،‬والكلمات التي‬
     ‫تخرج من القلب للقلب لا ينقلها الأثير؛ بل تلك‬      ‫في دفاتر إشراق العائلية‪ ،‬تكتب الإهداء هكذا‪« :‬إلى‬
 ‫الخيوط غير المرئية التي تربطنا بشخص لا نعرفه‪،‬‬         ‫الأصدقاء»‪ ،‬فهي تتعامل مع الجميع على مستوى‬
   ‫لنجد أنفسنا في مرمى محبته وصداقته‪ ،‬ثم ذلك‬        ‫واحد من الصداقة سواء أكان القارئ صديق حقيقي‬

                             ‫التفاهم المتفق عليه‪.‬‬        ‫أم افتراضي‪ ،‬تضع الصداقة بمفهومها الشامل‬
‫تضم المجموعة القصصية «دفاتر عائلية» ‪-‬التي تقع‬        ‫تحت تصرفنا‪ ،‬وفي هذا المدخل من الذكاء والمباشرة‬
                                                     ‫والحميمية ما يدفع القارئ للاستزادة من الصداقة‪،‬‬
  ‫في ‪ 80‬صفحة‪ -‬أرب ًعا وعشرين قصة‪ ،‬أما الإيحاء‬       ‫التي سيجدها ماتعة ومبذولة داخل صفحات الكتاب‪.‬‬
   ‫الذي يشي به عنوان المجموعة فيظهر وكأن هذه‬
    ‫الدفاتر عائلية لا يسمح للغريب بالإطلاع عليها‪،‬‬      ‫في داخلها حنين كبير للماضي‪ ،‬وكأنه الجنة التي‬
                                                       ‫انفرطت وضاعت من بين أيدينا كما تنفرط حبات‬
                                                     ‫المسبحة من يدي ناسك‪ ،‬تتحدث الكاتبة عن الحنين‬
   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122