Page 120 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 120
العـدد 34 118
أكتوبر ٢٠٢1
ستضر بك شمس الجنوب القاسية ،كنت أريد أن أن في اليوم الذي فقد فيه صوته ،ارتفعت كلماتي
أسألها عن مكاني وأي جنوب تعني لكن بقايا الماء في طائرة بحرية صادمة وانحلت عقدة لساني» .هكذا،
فمي منعتني». تكشف للفتى الحائر سبب علّة أبيه« :كانت المرة
القصص الأولى للكتاب كانت مختلفة بعض الشيء، الأولى التي أعرف فيها أن الآباء أي ًضا يتسلقون
من ناحية الموضوع والأسلوب ،عن القصص التي
تلتها ،هذا الكتاب المدهش كان ينمو أمام ناظري كلما محبتهم بذات الطرق التي يفعلها الناس».
تمعنت في القراءة وكأنه بمرور الوقت أصبح أكثر تستطرد إشراق في حديثها الذاتي غير المنفعل
بسلاسة ووضوح ،رغم نفاد صبرها أحيا ًنا مع
نض ًجا ودهشة ،ربما كان زمن كتابة الجزء الأول الفضوليين ،فهي لا تحب هذا النوع من البشر حتى
من الكتاب مختل ًفا عن زمن كتابة بقية الأجزاء، لو كانوا مجرد شخصيات هامشية في كتاب؛ وها
وربما كان المزاج مختل ًفا. هي ترد على الجار العجوز الذي يدس أنفه في ما لا
يعنيه في قصة (طعام سيئ)« :أجيبه بابتسامة بلهاء
حكاية سيارة العائلة في (قصة أمي البيضاء) كانت كما اعتدت أن أفعل مع أولئك الذين يطيلون الوقوف
صفحات ثلاث مكثفة ،تنقلت فيها الكاتبة بين الثقيل على ما يخصني ،أعاهد نفسي أنني في المرة
القادمة سأكون أكثر حز ًما في الرد على طريقته
أزمنة سياسية عدة ،وكانت تتعكز على ذاكرة حادة السفيهة في الكلام» ،كل هذا لأنه كان يلمح لهيئتها
وخيبات كثيرة؛ المذياع في سيارة العائلة القديمة هو الجديدة بعد فقدانها قليل من الوزن! مع ذلك ،يسعها
الجذر الذي بقي مقاو ًما امتداده في تربة الوطن رغم أن تترك هذا الجار الفضولي لتمضي داخل شقتها
تلاحقها رائحة الطعام الذي أعدته مسب ًقا ،طعام
تكسر أوراقه وأغصانه ،ينتقل المذياع بين الأزمنة خاص بالحمية ،لا تستسيغه تما ًما مثل الجار ،لكن لا
فيبث أغنية (صغيرة جنت وانت صغيرون) ،ثم يغير حيلة لها« :هل من المنطق أن أتسلق جدران الحرمان
الملساء بكل هذا الألم ،لأتناول هذا الطعام السيئ؟».
من طباعه كما تتغير موجات الأثير« :بعدها تغيرت في ذهنها هناك بدائل لسد ثغرات الحرمان من
طباع المذياع وأصبحت نكاته ثقيلة ج ًّدا ،وبدأ يميل الطعام ،استبدال السيئ بالجيد يشبه كثي ًرا ن ًّصا
بدرجة كبيرة إلى استضافة رجال ملتحين يتحدثون مكتو ًبا بحرفية؛ «لل ُكتَّاب أي ًضا مزاج خاص في
عن طرائق الحصول على قبر مريح ..ولأن الحرب اكتشاف الأطعمة اللذيذة ،فالنص الساخن والطري
كانت قاسية وأداء المذياع كان سيئًا ،لذا قررت أمي هو الأكثر إثارة لجوعنا نحن القراء ،الجوع لنوع
خاص من الحياة تلك التي تنمو على حافة الصور
أن ترسله إلى المدرسة القريبة ،قالت إنه سيذكر الملونة ،حياة لا يرسم الحرمان فيها خ ًّطا حزينًا على
الطلبة والأساتذة بالنشيد الوطني بعد أن أصيبت العيون ويغادر ،الحرمان من الطعام الجيد!».
تقمصت الكاتبة شخصية طفلة حديثة الولادة
البلاد بداء النسيان». بصورة مدهشة في قصة (عيد ميلاد) .أرادت أن
المذياع هو ذاكرة الوطن وحلمه الذي ضاع فتحولت تخبرنا بطريقتها بأن هذا العالم يخيفها كثي ًرا ،وبأن
الأيام إلى الأسود والرمادي ،بعد أن غاب عنها اللون الخلاص منه مخيف أكثر« :منذ أعوام كثيرة ولدت،
القابلة العجوز التي سحبتني برفق من ذلك المكان
الأبيض. الدافئ ،قررت بعدها استعمال العنف فضربت على
في أغلب الحكايات ،كانت الحرب ظ ًّل متوار ًيا خلف ظهري بقوة ،كان إحساس الوجع الأول مخي ًفا،
الستارة ،بينما تمعن الشمس في سطوعها على الزمن وعندما صرخت من شدة الألم رفعتني نحو امرأة
الحاضر .تجمعت بعض هذه الظلال الكئيبة في قصة ثانية كانت بزي أبيض وبشرة غامقة اللون ،سمعتها
(محكمة) ،وكان هناك من يرسب في التاريخ «بعد أن وهي تمسح جسدي تقول لي :أنت بيضاء ج ًّدا ،ربما
صحح للمعلمة معلوماتها الغائمة عن الحروب» ،لكن
مذيع الأخبار كانت له وجهة نظر مغايرة ،كان المذيع
أعمى ويبدو أنه الوحيد الذي رأى ما يحدث« :هذا
وقد مرت هذه الأرض بحروب كثيرة وبالغة الحرقة،
وقد اتفقت معظم أدبيات الأمم المتحدة على أن لون
الدم في جميع الحروب كان أحمر»..