Page 124 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 124

‫العـدد ‪34‬‬                             ‫‪122‬‬

                                    ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬

   ‫الصالح واستمداد القوانين من‬       ‫الشرعي ودرسوه دون سواهم‪،‬‬                         ‫آخر هارب في تركيا‪.‬‬
    ‫أفعالهم وأقوالهم(‪ .)7‬مما يعني‬     ‫والإصرار على ألا يتكلم أحد في‬           ‫لا أدري أهو تدبير من الله أم‬
 ‫أن السلفية لا ترفض فقط المغاير‬                                                ‫أن حرص يعقوب على الدنيا‬
    ‫في الدين بل المغاير في المذهب‬        ‫الدين إلا إذا كان أزهر ًّيا على‬   ‫الفانية هو الذي دفعه‪ ،‬بلا تردد‪،‬‬
   ‫أي الشيعي أو الصوفي‪ ،‬أو أي‬         ‫أقل تقدير أو حاص ًل على إجازة‬
   ‫مسلم لا يتفق معهم في رؤاهم‪.‬‬      ‫رسمية من مؤسسة تعليمية دينية‬                ‫للتضحية بتاريخه النضالي‬
‫إذن الشيخ يعقوب كان ينشر هذا‬        ‫معترف بها؟ إذن كانت تلك مجرد‬             ‫الطويل منذ أن كان أحد نجوم‬
 ‫الفكر وسط العوام‪ .‬كي يعد منهم‬      ‫حجة تستخدم ضد عوام المسلمين‬            ‫الأشرطة الدينية التي طاردتنا في‬
    ‫من «قد يرتقي إلى غيره»‪ ،‬كما‬                                              ‫كل الأماكن العامة‪ ،‬وبالذات في‬
  ‫قال‪ ،‬أي إلى الشيخين الأخريين‪،‬‬         ‫الذي اتضح في النهاية أن من‬           ‫وسائل مواصلات كان يفرض‬
 ‫حسان والحويني‪ .‬كانت تقع على‬            ‫يقودهم لا يحمل تلك الإجازة‬
‫كاهل يعقوب مهمة تمهيد الأرض‪.‬‬           ‫المقدسة التي صدعوا رؤوسنا‬               ‫سائقوها علينا الاستماع إلى‬
                                     ‫بضرورة توافرها فيمن يتصدى‬            ‫الأشرطة التي تدعونا إلى الإسراع‬
      ‫وهي مهمة عسيرة بالمقارنة‬         ‫للدعوة‪ .‬بل هم من صنعوا من‬
   ‫بمهمة زميله المكلف بالملتزمين‬       ‫اللغة العربية صن ًما يملكنا ولا‬      ‫في نفض اليد من الدنيا الغرورة‬
  ‫والآخر المكلف بطلاب الشريعة‪.‬‬        ‫نملكه عكس مقولة «طه حسين»‬               ‫قبل أن يعاجلنا الموت وتضيع‬
   ‫إذن أقر بلسانه أنه المعلم الأول‬      ‫الشهيرة‪ .‬ذهب التخصص إلى‬               ‫علينا فرصة إنقاذ جلودنا من‬
   ‫في حياة أي منت ٍم إلى جماعاتهم‬     ‫بالوعة الواسطة حين وجدوا في‬            ‫نار جهنم‪ .‬فإذا بنا نرى الشيخ‬
‫السلفية أو الجهادية‪ ،‬وهي المرحلة‬    ‫الشيخ القدرة على إدارة الجماهير‪.‬‬
   ‫الأعلى التي يختلفون في توقيت‬         ‫وهي سلطة يشتهيها القاصي‬            ‫بلحمه وشحمه‪ ،‬ذلك الذي ساهم‬
                                    ‫والداني‪ .‬يطلبها السياسي والفنان‬       ‫في الصحوة الإسلامية منذ ‪1978‬‬
     ‫تأديتها وليس حولها‪ .‬فيرى‬
‫البعض من السلفية الانتظار حتى‬              ‫ورجل الأعمال‪ .‬أن تلتحف‬           ‫يخلع تاريخه عنه‪ ،‬بل يقول عنه‬
                                     ‫ببطانية بشرية من المدافعين عنك‬        ‫إنه «مجرد اجتهادات شخصية»‪،‬‬
   ‫يتمكن المسلمون في الأرض ثم‬        ‫بأرواحهم‪ ،‬هذا هو بيت القصيد‪.‬‬           ‫وكأننا نرى الصحوة في الميزان‬
   ‫يجاهدون‪ ،‬بينما يرى الآخرون‬                                              ‫وقد تعرت من كل أوراق التوت‪،‬‬
‫ضرورة القيام بالجهاد على الفور‪.‬‬               ‫لكن يعقوب تنصل من‬            ‫خاصة بعد اعتذارات بالجملة من‬
 ‫وهو اختلاف شكلي ولا يتعارض‬            ‫أيدولوجيته ورموزها‪ .‬أظن أن‬           ‫نظرائه في السعودية‪ ،‬حيث كان‬
   ‫مع الهدف المشترك لكل منهما‪،‬‬        ‫حتى مريديه سكنت الحسرة في‬
‫وهو تأسيس الخلافة‪ ،‬أي تأسيس‬             ‫صدورهم حين سمعوه يتهته‬                  ‫مهد الصحوة والتنظير لها‪.‬‬
                                      ‫بأنه روح هائمة لا سلفية‪ .‬حتى‬
      ‫كيان استعماري ثيوقراطي‬           ‫كبيرهم‪ ،‬حسن البنا‪ ،‬صار على‬            ‫دبلوم المعلمين‪..‬‬
  ‫طاغوتي على شاكلة داعش التي‬            ‫يد الشيخ يعقوب مجرد طالب‬
 ‫وقف يعقوب في المحكمة منتص ًل‬           ‫سلطة‪ .‬بل إنه أنكر انتماءه إلى‬     ‫اكتمال المشهد السيريالي‬
  ‫منها مدعيًا جهله بمعنى الجهاد‬       ‫الفكر السلفي برمته‪ ،‬وهو الفكر‬
 ‫والتكفير ومخالفة القوانين‪ ،‬التي‬      ‫المسؤول مسؤولية مباشرة عن‬               ‫ُصدم الكثيرون عندما سمعوا‬
                                        ‫التسبب في سباحة المجتمع في‬        ‫الشيخ يعترف بأن درجته العلمية‬
     ‫يعتبرونها وضعية‪ ،‬مثل عدم‬       ‫فضاء اللازمان الذي أرسلوه إليه‪.‬‬
    ‫احترامه لاستدعاء المحكمة له‬                                                ‫ليست سوى دبلوم المعلمين‪.‬‬
   ‫وارتكابه لجريمة عرقلة العدالة‬          ‫فما هو هذا الفكر الذي أنكر‬           ‫وبحثت عن قيمة هذا الدبلوم‬
                                                 ‫يعقوب الانتماء له؟‬          ‫فوجدت أنه كان تأهي ًل تربو ًّيا‬
         ‫دون أن يرمش له جفن‪.‬‬                                              ‫يحصل عليه الطالب بعد الإعدادية‬
    ‫لكن دعونا نبدأ من الميكانيزم‬         ‫تقوم السلفية على توحيد الله‬          ‫ولم يكن له علاقة بأي تأهيل‬
    ‫كي نفكك المعادلة ونفهم كيف‬          ‫ورفض كل البدع والخرافات‪،‬‬           ‫فقهي أو ديني(‪ .)6‬إذن كيف جرؤ‬
    ‫أدت مدخلاتها إلى مخرجاتها‪.‬‬                                                ‫منظرو الصحوة على استدعاء‬
                                          ‫وعلى تقديس أعمال السلف‬            ‫حجة ضرورة استشارة الفقهاء‬
                                                                             ‫وعلماء الدين الذين تلقوا العلم‬
   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128   129