Page 118 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 118
العـدد 34 116
أكتوبر ٢٠٢1
لكننا من خلال النصوص الأولى ندرك أن هناك من
الأسرار ما يكفي لنتشاركها جمي ًعا؛ فالشخصيات،
الأولاد والبنات ،الأمهات والآباء ،شيخ الجامع،
الجار العجوز وصاحب الدكانة ،يشبهوننا كثي ًرا ،عدا
أننا (وأفراد عائلاتنا) نتوارى مع حكاياتنا في الظل،
بينما يشارك أفراد (دفاتر عائلية) تجاربهم الحياتية
مع مئات من القراء المفترضين.
تظهر الشخصية الرئيسة في القصص مرة في صورة
طفل ،مرة رجل ومرات فتاة صغيرة أو سيدة
عجوز ،مع ذلك ،بل وبسبب ذلك ،تتنقل الكاتبة بين
هذه الحيوات كالفراشة التي تبحث عن ضوء أو
تحاول أن تتجنبه؛ هي تكتب عن هذه الشخصيات
وتكتب لها في الوقت ذاته ،تضع كلماتها على
شفاههم كما يفعل المونتير في ترجمة حوار سينمائي
حينما يركب الأصوات المترجمة على شفاه الممثلين
الأصليين ،فتبدو وكأنها حقيقية أكثر من الأصل .في
قصة (جائزة) لا تتردد إشراق في تقمص شخصية
زوج يعيش وهمه ويتخيله مجرد انفصال فكري
عن زوجته التي يصفها بالساذجة والبلهاء« :إنها
من عالم مختلف لا تربطني وإياه سوى تفاصيل
الحياة اليومية ..بلهاء ..أعرف ذلك منذ زمن بعيد.
ماذا يفعل شخص مثلي يقعد خلف شاشات التواصل
الافتراضي ويشاهد عشرات البروفيلات الجميلة
لنساء لا يشبهنها ..إنهن من عالمي يتحدثن بالأدب
ويعطين آراء بطرق كتابة القصة ،ينمقن الكلمات
ويزرعن صفحاتهن بالشعر الجميل».
الراوي أو الراوية في (حكاية عمتي) ،وهي قصتي
المفضلة ،تعي جي ًدا القواعد الاجتماعية المرسومة
بإحكام على قماشة نسيج مجتمع القرية ،وحين
تروي حكاية العمة التي هربت أو غادرت مع
الإرسالية المبتعثة ،وتناقلت حكايتها ألسنة النساء
حيث اتخذتها مادة تلوك الحوارات وحديثًا
للأمسيات ،فإنها لم تغفل حقيقة أن« :النساء
مجبولات على طبيعة متناقضة غريبة ،فهن في الغالب
مكسورات ومظلومات واعيات لهذا الكسر والظلم،
لكنهن مع ذلك ورغم ذلك قاسيات على بعضهن
بطريقة غير مفهومة لنا» .هكذا ،باستسلام تام
لحقيقة مزعجة لا يمكن أن تتغير ،تطرح لنا إشراق
قصة العمة التي رحلت أو هربت ،لا فرق ،حتى إذا