Page 152 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 152

‫وهو يقفز فر ًحا ما إن يرى‬     ‫تلك المصة المسعورة لآمنت‬            ‫‪150‬‬
  ‫الحليب‪ ،‬كان شديد الجمال‬     ‫أن الحياة ستنتصر‪ .‬لقد مص‬
                                                                 ‫وعادة ما تؤخذ عجلة إلى‬
                 ‫والسعادة‪.‬‬       ‫العجل أصابعي بشدة إلى‬          ‫منطقة مجاورة لديها ثور‪،‬‬
 ‫كان جماله كجمال القفازات‬      ‫درجة أنها أصبحت بيضاء‪،‬‬        ‫ولا تتخيل أنه ثور من النوع‬
                               ‫وقالت والدتي‪« :‬يا إلهي كاد‬        ‫الذي يحصل على أوسمة‬
    ‫الحريرية السوداء‪ ..‬نعم‪،‬‬                                    ‫في الاحتفالات‪ ،‬وبعد إجراء‬
‫ربما يبدو من غير المعقول أن‬       ‫يمص الدم من أصابعك»‬         ‫بعض الطقوس تعود العجلة‬
                                  ‫وهي توبخ العجل ليترك‬          ‫مطهر ًة وجاهز ًة للأمومة‪.‬‬
 ‫تتحدث فتاة ريفية‪ ،‬صغيرة‬                                        ‫ثم تنتزع البقرة من حياة‬
      ‫وساذجة‪ ،‬عن القفازات‬                        ‫إصبعي‪.‬‬         ‫قطيعها وتؤخذ إلى الجزار‬
                                   ‫وسرعان ما نفد الحليب‬          ‫بعد أن تكون قد وضعت‬
    ‫الحريرية السوداء‪ ،‬ولكن‬     ‫وأخذ العجل ينطح ساقي في‬
  ‫القفازات كانت موجودة في‬      ‫استماتة وهو يأمل في مص‬               ‫ربما عجلين أو ثلاثة‪.‬‬
  ‫المنزل تحت القش بمحاذاة‬         ‫الحليب من والدته الميتة‪.‬‬      ‫وذات يوم جيء إلى منزلنا‬
                              ‫أرسلنا رج ًل على الدراجة إلى‬    ‫بعجلين أحدهما أسود اللون‬
      ‫الجدران المصنوعة من‬     ‫متجر وعاد ومعه عبوات من‬         ‫والآخر أسود وأبيض‪ .‬كانت‬
   ‫الطين‪ ،‬فقد كان هناك «من‬    ‫الحليب المجفف وقدمناها إلى‬      ‫أمهما قد نفقت أثناء الولادة‪.‬‬
 ‫لوازم السفر» صندوق كبير‬       ‫العجل بعد أن ذوبناها بالماء‪.‬‬     ‫ووقع الاختيار على منزلنا‬
    ‫للأمتعة في داخله ملابس‬        ‫وبعد قليل ترك أصابعي‬         ‫الذي يقع على الرابية للقيام‬
 ‫سهرة وشالات فوقها طبقة‬          ‫وأدخل فمه في السلطانية‪.‬‬      ‫برعايتهما‪ .‬واعتبر والدي أن‬
  ‫فاصلة عليها مراوح يدوية‬           ‫شرب كثي ًرا هو وأخته‬       ‫الفكرة انفعال عاطفي‪ ،‬لكن‬
‫وإيشاربات وحقائب صغيرة‬            ‫وأصيبا بالإسهال‪ ،‬وقال‬        ‫والدتي رأت فيها فائدة لنا‪.‬‬
                                ‫والدي «ستقتلين العجلين»‪،‬‬        ‫وكنا «نحن» أي أنا وأخي‬
     ‫مطرزة وقفازات بيضاء‬       ‫ولكن العجلين تأقلما وشربا‬     ‫مسؤولين عنهما‪ ،‬مع أن أخي‬
   ‫من جلد الجدي‪ ،‬والأخرى‬         ‫حليب البودرة ولم يشبعا‬       ‫لم يقم بواجبه‪ .‬وكان العجل‬
‫حريرية سوداء تغطي الذراع‬        ‫منه‪ ،‬أو على الأقل لم يشبع‬
  ‫حتى الكوع وتنتهي بأزرار‬         ‫عجلي الذي أسميته ديمي‬          ‫الأسود ‪-‬وهو ذكر‪ -‬من‬
   ‫سوداء مزخرفة‪ .‬ولم تكن‬       ‫بعد أن قرأت قصة للأطفال‬           ‫نصيبي وعليَّ الاعتناء به‪.‬‬
   ‫هناك أي مناسبة أو نزهة‬      ‫عن عجلين يتيمين اسماهما‬
                                                                   ‫وفي هذا الموسم البارد‬
      ‫أو حفلة حضرتها تليق‬                  ‫ديمي وديزي‪.‬‬         ‫والجاف لم ينزل في السطل‬
   ‫بارتداء تلك القفازات التي‬     ‫ولم أعد أذكر كيف مضت‬        ‫إلا قليل من الحليب‪ ،‬فدسست‬
  ‫كنت مأخوذة بها إلى درجة‬         ‫الأحوال مع ديزي لأنني‬         ‫أصابعي في بعض الحليب‬
                                ‫كنت منهمكة مع عجلي هذا‬        ‫الذي طرطش في الحوض ثم‬
     ‫العشق‪ ،‬فقد كانت دلي ًل‬     ‫الحيوان الصغير الذي كان‬      ‫وضعتها في فم العجل‪ .‬ويبدو‬
   ‫على أن العالم ليس قاص ًرا‬   ‫يقف تحت شجيرة مع أخته‬         ‫لي حتى الآن أن مص وسحب‬
 ‫فقط على أدغالنا في منتصف‬       ‫ينتظران ظهوري الذي كان‬         ‫العجل لأصابعي آنذاك كان‬
  ‫أفريقيا وإنما هناك مشاهد‬                                   ‫مثل صرخة من قلب يتضور‬
 ‫أخرى له‪ .‬تلك القفازات التي‬            ‫يعني لهما الحليب‪.‬‬     ‫جو ًعا ويقول «دعيني أعيش‪،‬‬
 ‫أحملها بين يدي الصغيرتين‬        ‫كان هذا العجل واح ًدا من‬
                              ‫أجمل العجول‪ ،‬بلونه الأسود‬          ‫عليَّ أن أعيش»‪ .‬ولو كنت‬
    ‫الخشنتين التي تشبه في‬     ‫اللامع ورقة طباعه وإشراقته‬      ‫أعيش في عالم تجتاحه حرب‬
      ‫رخوتها الملتمعة الهشة‬
  ‫جلد الأفعى بعد أن تنسلخ‬          ‫وعجيزته وذيله الملتوي‬         ‫أو مجاعة بحيث لم يتبق‬
   ‫منه‪ ..‬لا تختلف عن الجلد‬                                     ‫هناك شيء للأكل وتذكرت‬
 ‫الملتمع الأنيق للعجل الأسود‬
‫الصغير‪ .‬فما المشترك بينهما؟‬
   147   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157