Page 77 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 77

‫‪75‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

      ‫مواص ًل مواعظه وصوت الشيخ السديسي ُم َر ّد ًدا‬        ‫لا تخ ّف و ْطأته إلا عندما يجد نفسه ُمنخر ًطا في حركة‬
         ‫الآيات‪ ..‬ثم تلاشى الصوتان في هدير السوق‪..‬‬            ‫السوق الهائلة‪ُ ،‬مختل ًطا بتلك الجموع الصاخبة التي‬
                                                             ‫ُتنسيه جمو َد القرية المُريع‪ ،‬وسكونها الشبيه بسكون‬
      ‫دخل مح ًّل لبيع الوجبات السريعة‪ ،‬وكان ُمزدح ًما‬                                             ‫المقابر‪..‬‬
   ‫بالزبائن‪ .‬طلب «كفتاجي»‪ .‬أثناء الأكل‪ ،‬راح يصغي إلى‬
‫شابين جالسين حول الطاولة البلاستيكية الصغيرة التي‬           ‫تح ّسس جيبه‪ .‬عنده أربعة دنانير‪ .‬سيأكل «كفتاجي»‪،‬‬
                                                          ‫وسيشرب قهوة‪ .‬بعدها يعمل الله دلي ًل‪ .‬على أ ّية حال لن‬
                                      ‫على يمينه‪:‬‬         ‫يعود إلى البيت‪ .‬وربما يقضي الليلة عند أخته التي تعيش‬
      ‫الشاب ‪ُ :1‬ش ْفت‪ ..‬السلفيين ناصبين خيمة اليوم‪..‬‬     ‫في العلا‪ ،‬أو قد يكون من الأفضل أن ينام جائ ًعا في الخلاء‬
                                                          ‫تجنّبا للأسئلة التي سوف تطرحها عليه أخته‪ ،‬أو زوجها‬
        ‫الشاب ‪ُ :2‬م ْش كان هنا‪ ..‬في كل بقعة‪ ..‬حتى في‬
                                      ‫العاصمة‪..‬‬                      ‫الذي تروق له مشاكسته‪ ،‬والسخرية منه‪..‬‬
                                                              ‫بخطوات بطيئة‪ ،‬توجه إلى ساحة العلا المركزية التي‬
  ‫الشاب ‪ :1‬ولد خالتي قالي كل جمعة في شارع بورقيبة‬          ‫تحيط بها مقاه تع ّود الجلوس فيها‪ ..‬م ّر أمام خيمة‪ .‬من‬
                                   ‫ُق ّدام المسرح‪..‬‬        ‫آلة تسجيل يتعالى صوت الشيخ السديسي ُمرد ًدا آيات‬
                                                             ‫تح ّث على الجهاد وقتل الكفار‪ ..‬صوته المُ ْث َقل بالحزن‬
‫الشاب ‪ :2‬الجمعة إيلي فاتت ن ْص ُبو على شط «بوجعفر» في‬    ‫ُيشي ُع في النفوس الشعور بأن الحياة جنازة بلا بداية ولا‬
                     ‫سوسة‪ ..‬وعلى شط الح ّمامات‪..‬‬
                                                                                                  ‫نهاية‪..‬‬
       ‫الشاب‪ :2‬أ ّما القيروان َو َّلت عاصمتهم‪ ..‬يشطحو‬     ‫أمام الخيمة‪ ،‬خلف طاولة بلاستيكية تتكدس فوقها كتب‬
                          ‫و َي ْردحو فيها ليل ونهار‪..‬‬
                                                            ‫ومنشورات دينية‪ ،‬كهل بسحنة عابسة‪ ،‬ولحية كثيفة‪،‬‬
                     ‫الشاب ‪ :1‬كل يوم تسم ْع غريبة!‬           ‫يرتدي جلابية أفغانية‪ ،‬ويغطي رأسه بطاقية بيضاء‪،‬‬
                           ‫الشاب‪ :2‬وا ْش سمعت؟‬
                                                               ‫وعلى جبينه بقعة سوداء‪ ،‬دلالة على كثرة السجود‬
   ‫الشاب‪ :1‬قالك في بن قردان ع ْملو إمارة وفيها يحكموا‬     ‫والت َه ّجد‪ ..‬تار ًكا الشيخ السديسي يواصل تلاوة الآيات‪،‬‬
                                      ‫باحكامهم‪..‬‬
                                                             ‫شرع الكهل يتحدث إلى الواقفين أمام الخيمة بصوت‬
  ‫الشاب ‪ :2‬وفي العاصمة هجموا على السفارة الأمريكية‬         ‫خشن بينما كانوا هم يستمعون إليه بانتباه‪« :‬إذا وضع‬
                               ‫وش ّعلوا فيها النار‪..‬‬
                                                                ‫الميّت في القبر يأتيه ملكان أسودان أزرقا العينين‬
       ‫الشاب ‪ :1‬وفي سيدي بوزيد حرقوا أوتيل وم ْن ُعو‬        ‫صوتهما كال ّرعد وأبصارهما كالبرق الخاطف يحرقان‬
                                       ‫الشراب‪..‬‬            ‫الأرض فيأتيانه من قبل رأسه فتقول الصلاة لا تأتياه‬
                                                         ‫من قبلي فالصلاة صلاها في الليل والنهار احذرا من هذه‬
    ‫الشاب ‪ :2‬كثروا كي الجراد وقت الز ّمة‪ ..‬وين كانوا؟‬       ‫المواضيع‪ .‬ثم يأتيانه من قبل رجليه فيقولان لا تأتياه‬
                             ‫الشاب ‪ :1‬ما نعرفش‪..‬‬
                            ‫شاب ‪ :2‬شيء يخوف!‬                  ‫من قبلنا فقد كان يمشي بنا إلى الجماعة احذرا هذه‬
                                                         ‫المواضيع‪ .‬فيأتيانه عن يمينه فتقول الصدقة لا تأتياه من‬
            ‫الشاب ‪ :1‬رد بالك منهم‪ ..‬راهم ُم ْخطرين‪..‬‬      ‫قبلي فقد كان يتصدق بي احذرا هذه المواضيع‪ ،‬فيأتيانه‬
                                 ‫الشاب‪ :2‬نعرف!‬
                                                             ‫من قبل الشمال فيقول صومه لا تأتياه من قبلي فقد‬
                            ‫الشاب‪ :1‬اللطف منهم‪..‬‬         ‫كان يجوع ويعطش فاحذرا هذه المواضيع‪ .‬فيستيقظ كما‬
                             ‫الشاب ‪ :2‬ربي يستر!‬          ‫يستيقظ النائم فيقول ماذا تريدان مني فيقولان نريد منك‬
      ‫الشاب ‪ :1‬نقلك الحقيقة‪ ..‬والله وليت نفكر َن ْحرق‪..‬‬    ‫توحيد الله تعالى فيقول أشهد أن لا إله إلاّ الله‪ ،‬فيقولان‬
    ‫الشاب ‪ :2‬نا خويا ما نجمش‪ ..‬تح ْب يا ُك ْلني الحوت؟‬
  ‫الشاب‪ :1‬نا مشني خايف‪ ..‬العيشة فسد ْت في ها البلاد!‬          ‫ماذا تقول في حق محمد عليه السلام فيقول وأشهد‬
 ‫الشاب‪ :2‬عندك حق لكن يا خويا الحرقة صعيبة‪ ..‬راهم‬             ‫أن محم ًدا عبده ورسوله‪ ،‬فيقولان عشت مؤمنًا ومت‬

                               ‫برشة يموتو فيها‪..‬‬                                                 ‫مؤمنًا»‪..‬‬
              ‫الشاب ‪ :1‬نعرف‪ ..‬لكن برشه يربحوها‪..‬‬           ‫ابتعد وهو يرجف ُمرتعبًا‪ ..‬خلفه صوت الكهل الخشن‬
      ‫الشاب‪ :2‬يا خويا ما نحبش نق ّمر بحياتي‪ ..‬مازلت‬

                            ‫صغير‪ ..‬ونحب نشيخ‪..‬‬
    ‫الشاب‪( :1‬ينفجر ضاحكا)‪ ..‬وماش يخلوك تشيخ ها‬
   72   73   74   75   76   77   78   79   80   81   82