Page 81 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 81

‫‪79‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

                                      ‫‪ -‬يا نعم‪..‬‬               ‫في صدره نا ًرا حامية‪ .‬في لحظة ما‪ ،‬خاطبه تاجر الخرفان‬
                          ‫‪ -‬مالا ُهوما يكذبوا زادا؟‬                                                      ‫قائ ًل‪:‬‬
                 ‫‪ -‬يكذبوا‪ ..‬وانت كار ْك تكذب كيفهم!‬
                                                               ‫‪ -‬ها‪ ..‬أنت يا سيّد‪ ..‬أشبيك حزين ومهموم‪ ..‬ما تشيخش‬
                                   ‫‪ -‬ن ْكره الكذب!‬                                               ‫مع النسا كيفنا؟‬
    ‫‪ -‬الناس الكل تكذب في هذا البلاد! وانت تحب تكون‬
                                                                               ‫بسرعة تد ّخل صالح لير ّد عليه قائ ًل‪:‬‬
                                        ‫ملايكة؟‬                           ‫‪ -‬هو ولد ع ّمي‪ ..‬ح ّشام لكنه فحل! هههههه‬
  ‫‪ -‬وانت زادا كنت تكذب وقت إ ّل تحدثت على هاك المرا‬             ‫م ّد الجالس إلى يمين تاجر الخرفان رأسه باتجاهه‪ ،‬وهو‬
                                                                ‫رجل قصير‪ ،‬ضئيل الحجم‪ ،‬يلم ُع الخبث وال ّشر في عينيه‬
                            ‫إ ّل جننتك في القيروان؟‬
                              ‫‪ -‬وعلاش تسأل ف ّي؟‬                                        ‫الصغيرتين‪ ،‬وقال ساخ ًرا‪:‬‬
                                         ‫‪ -‬ه ّكا‪..‬‬                                          ‫‪ -‬مش باين فيه فح ْل!‬
                                   ‫‪ -‬كيفاش ه ّكا؟‬
                                                                          ‫ثم انفجر ضاح ًكا‪ ،‬وضحك الآخرون أي ًضا‪..‬‬
   ‫‪ -‬ما تغضبش يا ولد عمي الغالي‪ ..‬راني نعرفك فحل!‬                                    ‫تد ّخل صالح من جديد ليقول‪:‬‬
             ‫‪ -‬يا نعم‪ ..‬فحل ونصف‪ ..‬ومشني كيفك!‬
                                   ‫‪ -‬آش معناها؟‬                 ‫‪ -‬اسمعوا يا رجال‪ ..‬راهو ولد ع ّمي‪ ..‬من فضلكم خلّوه‬
                          ‫‪ -‬معناها الله غالب عليك!‬                                    ‫رايض‪ ..‬راني من نحبش فيه!‬
                                        ‫‪ -‬عجب!‬                                        ‫‪ -‬باهي! قال تاجر الخرفان‪..‬‬

  ‫‪ -‬يا نعم‪ ..‬وم ْشني وحدي نعرف‪ ..‬الناس الكل بكبيرها‬             ‫ساد صمت ثقيل‪ ..‬أشعل صالح سيجارة‪ .‬رمى في جوفه‬
       ‫وصغيرها تعرف! ومرتك قالت هذا للنساء الكل!‬                                    ‫كأس «كوديا»‪ ،‬ث ّم أضاف قائ ًل‪:‬‬

   ‫آآآآ‪ ..‬الآن فقط أدرك س ّر ال ّسخاء الذي أغدقه عليه ابن‬          ‫‪ -‬بربي يا رجال‪ ..‬خلونا شايخين‪ ..‬نكمل شيختنا في‬
 ‫الع ّم المشهور ببخله‪ ،‬ونفاقه‪ ،‬ودجله‪ ،‬وسوء طبعه‪ .‬ومن‬                                                  ‫الرياض‪..‬‬
 ‫المؤ ّكد أنه لم يكرمه إلاّ ليذلّه‪ ،‬ويهينه في هذا الظلام‪ ،‬وفي‬
  ‫هذا الخلاء الموحش‪ .‬وقد يكونون على ح ّق أولئك الذين‬                       ‫انتصب ناجي واق ًفا وخاطب الجميع قائ ًل‪:‬‬
‫ير ّوجون أخبا ًرا تقول بأن ابن العم تربطه بزوجته علاقة‬           ‫‪ -‬اسمعوا يا جماعة‪ ..‬راني ما نحبش العرك في َم ْحلي‪..‬‬

   ‫غراميّة‪ .‬وهذا ما يف ّسر الود الذي تظهره له على مرأى‬                            ‫‪ -‬ما تخافش‪ .‬قال تاجر الخرفان‪..‬‬
 ‫ومسمع منه‪ .‬وهذا ما يفضح أي ًضا س ّر اختفائها الغريب‬           ‫لكن عندما طلب تاجر الخرفان زجاجة أخرى‪ ،‬نظر ناجي‬
 ‫يو ًما أو يومين من دون أن ت ْف َص َح عن سبب ذلك‪ .‬وث ّمة‬
  ‫واحد ر ّو َج في القرية أنه شاهد زوجته أكثر من مرة في‬                             ‫إلى ساعات اليدو ّية‪ ،‬ث ّم ر ّد قائ ًل‪:‬‬
                                                                ‫‪ -‬تو الثمانية يا جماعة‪ ..‬أنا تعبان‪ ،‬وعندي عائلة تتسنى‬
   ‫القيروان بصحبة ابن العم‪ .‬ومن المحتمل أن تكون هي‬
  ‫العشيقة التي تباهى بها أمام أولئك الغرباء ال ّسكارى‪..‬‬              ‫ف ّي‪ ..‬وأنتم شختو‪ ..‬لذا أرجوكم أن تغادروا بهدوء!‬
‫نعم‪ ..‬هي لا غيرها! وحده المغ ّفل والمخدوع يش ّكك في مثل‬           ‫كان هو وصالح أ ّول المغادرين‪ .‬في الطريق إلى القرية‪،‬‬

                              ‫هذه الحجج ال ّدامغة‪..‬‬                 ‫أوقف صالح ال ّشاحنة‪ ..‬أخرج علب بيرة من حقيبة‬
     ‫تح ّسس المدية التي لا تفارقه‪ ،‬ث ّم هجم على ابن العم‬              ‫بلاستيكية‪ ،‬ثم نزلا من الشاحنة‪ ،‬وراحا يشربان‬
    ‫ليطعنه طعنات عديدة في أماكن مختلفة بينما كان هو‬
 ‫يصرخ ويولول‪ .‬في النهاية انهار على الأرض‪ ،‬وفاحت في‬                ‫صامتين‪ ..‬على جانبي الطريق حقول زيتون غارقة في‬
   ‫الهواء البارد رائحة دمه ال ّساخن‪ .‬رمى بالمدية المُلطخة‬        ‫ظلمة الليل‪ ..‬بين وقت وآخر يتعالى نباح كلاب بعيدة‪..‬‬
‫بالدم بعي ًدا‪ ..‬للحظات ظ ّل يف ّكر في الغراب الذي يح ّط على‬       ‫أشعل صالح سيجارة‪ ،‬وراح يدخن ُمطل ًقا زفرات‪ ،‬ثم‬
‫سطح بيته ك ّل صباح‪ ،‬ثم تاه في ظلام بدا له أنه لن ينجلي‬
                                                                                          ‫التفت إليه وقال غاضبًا‪:‬‬
                                           ‫أب ًدا‪..‬‬                                      ‫‪ -‬حشمتني ق ّدام الرجال!‬

                                                                                              ‫‪ -‬كيفاش حشمتك؟‬
                                                                                ‫‪ -‬علاش ما شاركتناش في الحديث؟‬

                                                                                             ‫‪ -‬آش تحبني نقول؟‬
                                                                             ‫‪ -‬قول أي شيء‪ ..‬المهم ح ْل ُف ّم ْك وتكلم‪..‬‬

                                                                                                ‫‪ -‬تحبني نكذب؟‬
   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86