Page 84 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 84

‫العـدد ‪34‬‬    ‫‪82‬‬

                                                       ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬

‫كبيرة في قريتك‪ ،‬يندفع فيها تيار ماء نظيف بعد أن‬         ‫أصابعك قبل أن ُتوافق على تعليمك البيانو‪ ،‬لم تكن‬
‫ي ُم َّر تحت بوابات حديدية‪ ،‬وأنك ِك ْد َت تغرق مرتين‪،‬‬  ‫تختبرها لتعرف إ ْن كانت رقيقة أو قوية أو سليمة‪،‬‬

      ‫شر ْب َت خلالهما من ماء الترعة حتى شب ْعت‪.‬‬            ‫ولا لشيء م َّما قد يخطر ببالهم للوهلة الأولى‪،‬‬
‫وإ ْن كانت لهم مشكلة مع الرومانسية‪ ،‬فأنت تعتبر‬         ‫وإنما‪ ،‬كما قالت لك بنفسها فيما بعد‪ ،‬وهو ما فه ْم َته‬

        ‫هذه التفاصيل والقصص رومانسية ج ًّدا‪.‬‬              ‫أنت وقتما كانت تختبرك‪ ،‬كانت تبحث عن شيء‬
   ‫َع ِّر ْفهم أنك تحب الأعمال التي لها علاقة بمهارة‬
   ‫الأصابع‪ ،‬وتعتبر أن هذه المهارة تساوي المهارة‬        ‫بداخلك من خلال أصابعك‪ ،‬مثلما ينظر أحدنا لعي َني‬
                                                       ‫شخص ما‪ ،‬أو ُي ْن ِصت لنبرة صوته‪ ،‬ليعرف شيئًا ما‬
 ‫العقلية‪ ،‬الأصابع هي َم ْن ُيترجم مهارة العقل‪ ،‬أنت‬
  ‫أي ًضا تفكر أن للأصابع عق ًل إضافيًّا خا ًّصا بها‪،‬‬               ‫بداخله‪ ،‬الأصابع وسيلة َج َّدة «رائية»‪.‬‬
   ‫ُتحب مهارة الأصابع وذكاءها‪ ،‬مثل عملك صبي‬             ‫أنك لم َت َت َر َّب على صوت بيانو‪ ،‬وإنما صوت وابور‬
   ‫نقاش‪ ،‬وصبي ن َّجار‪ ،‬و ُمساعد َبنَّاء‪ ،‬وعزف َك على‬
                         ‫البيانو‪ ،‬وعملك ج َّرا ًحا‪.‬‬        ‫الجاز‪ ،‬في ليل الشتاء الساقع كان صوت وابور‬
  ‫وأنك‪ ،‬طوال الوقت‪ ،‬وأثناء تواجدك في الشوارع‪،‬‬           ‫الجاز هو المُ َف َّضل لك‪ُ ،‬ي َد ِّفئك و ُيؤ ِنسك‪ ،‬وفي الصف‬

    ‫وسائل المواصلات‪ ،‬أو ُمقابلاتك العابرة‪ ،‬وغير‬              ‫الثاني الإعدادي اشتري َت من ُح ّر مالك ردايو‬
   ‫العابرة‪ ،‬أقصد خلال يوميات الحياة‪ ،‬كن َت‪ ،‬وما‬         ‫ترانزستور صغير‪ ،‬تأخذه في حضنك وقت نومك‪،‬‬
‫زل َت‪ ،‬تحب أن ُتصادف أشخا ًصا تظهر آثار العمل‬
    ‫في أيديهم‪ :‬أسمنت جاف في ظهر اليد أو بطنها‬             ‫وتسهر معه‪ ،‬كن َت أشطر واحد يصطاد الإذاعات‬
    ‫بسبب أعمال ال َمحارة‪ ،‬ألوان في خطوط ال َك ّف أو‬     ‫البعيدة‪ ،‬تسمعها وفي خلفيَّتِها وشي ًشا خفي ًفا تحبه‪،‬‬
‫حواف الأظافر أو أطراف الأصابع لأعمال النِقاشة‪،‬‬
                                                          ‫لا يطغى على صوت المذيعة التي تشعر أنت أنها‬
                                                         ‫تتكلَّم لغة ت ُخ ُّصها وحدها‪ ،‬ليست لغة أجنبية‪ ،‬هي‬
                                                        ‫نفس لغتك‪ ،‬لكن وكأنها لغة ت ُخ ُّص المذيعة‪ ،‬وتتكلَّم‬
                                                       ‫بها لك وحدك‪ ،‬لا يطغى الوشيش على الموسيقا التي‬
                                                        ‫تستمع إليها‪ ،‬وإنما يزيدها َو َن ًسا وجما ًل‪ ،‬كأنه من‬
                                                         ‫تكوينها‪ ،‬كأنه مسرح ُتع َزف عليه الموسيقا‪ ،‬أو آلة‬
                                                         ‫موسيقية ِض ْم َن الآلات التي تعزف‪ ،‬وتكتشف في‬
                                                        ‫وقت ما المسلسلات الإذاعية الرومانسية القصيرة‪،‬‬
                                                         ‫وتظ ُّل حتى بعد أن كب ْر َت‪ ،‬تتذ َّكر عناوين بعضها‪،‬‬

                                                                   ‫وقصصها‪ ،‬مثل أطياف من زمن بعيد‪.‬‬

                                                            ‫لم يكن السرير لك وحدك‪ ،‬كان ينام معك فيه‪،‬‬

                                                         ‫بجوارك‪ ،‬أ ٌّخ أكبر منك بسنة‪ ،‬وفي الجهة العكسيَّة‬
                                                                      ‫لكما تنام أخت أصغر منك بسنتين‪.‬‬

                                                            ‫وأنت‪ ،‬تحتفظ حتى الآن‪ ،‬بذلك الراديو‪ُ ،‬ت َش ِّغله‬
                                                          ‫أحيا ًنا‪ ،‬وتستمع إلى موسيقا مع وشيش خفيف‪.‬‬
                                                          ‫قل لهم يا رومانسي‪ ،‬أنك َت َعلَّ ْم َت العوم في ترعة‬
   79   80   81   82   83   84   85   86   87   88   89