Page 88 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 88
العـدد 34 86
أكتوبر ٢٠٢1
إيمان سند
جميلة
معظم الأحيان على خلاف كل البنات ،وإن اضطرت كنا نسير أنا وصديقاتي كل يوم إلى المنزل عائدات
للحديث فكلمات قليلة تفي بالغرض ،لكنها حين من المدرسة .تتحدث الصديقات أثناء السير في
تتصرف ،تأتي بأفعال صادمة .تسأل صديقتي العادة عن اليوم الدراسي ،وكيف انقضى .عن
«مروة» المهتمة ج ًّدا بجميلة ،وبأحوالها: خلافاتهن الصغيرة ،عن حبهن لمعلم أو معلمة،
-هل تعرف إحداكن بيتها ،أقصد أين تسكن؟ وكرههن لآخر .عن صعوبة الدروس ،وانعدام
أجيب بلا اهتمام: الفائدة المرجوة منها في الحياة العملية فيما بعد.
-هي تسكن في شارعنا مع أمها وأختها وأخيها،
وقد توفى أبوها العام قبل الماضي. ولكن الحديث الذي ظللن يرددنه طوال شهر كامل،
ولم تنقطع المناقشات فيه أب ًدا ،كان سيرة «جميلة»؛
تندفع الأسئلة باتجاهي منهن جمي ًعا في آن واحد، تلك الفتاة التي تكبرنا بعدة سنوات ،والتي أصبحت
وأتعجب لنوع الفضول العجيب الذي يتملكهن تجاه
زميلتنا في الفصل هذا العام بعد أن رسبت للسنة
الفتاة .تسأل إحداهن: الثالثة على التوالي .أنت لا تستطيع أن تبعد عينيك
-كيف هي أمها ،وأختها ،وهل هما على نفس القدر عن «جميلة» إن وقع نظرك عليها ،فهاتان العينان
اللوزيتان العسليتان ،وهذا الشعر الفاتح المجدول،
من الجمال؟
وتسأل أخرى: وهذا الوجه ذو التقاطيع الصغيرة التي تشبه
-هل أخوها أكبر أم أصغر منها ،وكيف يتعامل المنمنمات ،كل ذلك يجعلك أسير ذلك الوجه ،وكلما
مع قبيلة النساء تلك؟ وتسأل «سماح» ،وهي أكثرنا غابت عنك ،تتوه ،وتبدأ في البحث عنها من جديد.
ذكاء وفضو ًل ،ولذا تأتي أسئلتها دائ ًما متأخرة بعد لا أنسى أب ًدا مشهد دخول «جميلة» إلى الفصل في
أن تكون قد تفهمت الموقف ،وسمعت الإجابات: أول يوم للدراسة ،كانت مطأطئة الرأس ،لا تنظر
-هل هم أسرة ميسورة ،وماذا كان يعمل والدها
إلى أي منا .ثم اتجهت بخطى واثقة للركن البعيد
المتوفى؟ من الفصل ،لتجلس في المقعد الأخير بجوار الشباك؛
أضحك بخبث ،ذلك لأني اكتشفت أني أملك مفاتيح
بوابة المعرفة الكبيرة الخاصة بهن .وأقول بتصميم: هناك تتابع البنات الجالسات الشارع وما يجري
سأحكي ما أعرفه ،وأنتن عليكن أن تجدن إجاباتكن فيه ،ولا ينتبهن لما يدور في الفصل من شرح
داخل الحكاية ،أو لا تجدنها ..حقيقة ،الأمر لا وخلافه ،وعادة ما يحتل هذا المكان راسبات الفصل.
تصفها الصديقات بالغريبة ،وأنها صامته في